يبدو أن تنظيم «داعش» أصبح قوى كونية عابرة للقارات، ويستطيع التواجد والضرب في أي مكان وزمان وبتكنولوجيا تفوق تكنولوجيا المخابرات الأميركية!
والمثير في هذا التنظيم الأخطبوطي أنه يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع فعله حلف الناتو، وحلاوته في أنه يسير متناغماً مع مخططات الدول الكبرى، ويقودها نحو أهداف ليست في مصلحة التنظيم ولا الإسلام، فبعد ضرب باريس يكون هذا التنظيم قد قام بضرب نواة الاتحاد الأوروبي، وأربك حركة اللاجئين، وشكراً للأتراك!
ولكن الأتراك ليسوا وحدهم فمن خلفهم الولايات المتحدة، وسياسة الأميركيين هذه الأيام هي اللعب من بعيد، وتكليف حلفائهم بالمهمات الصعبة، فليس من المعقول أن تحارب أميركا بالنيابة عنهم في العراق وسورية واليمن وليبيا، بمعنى آخر هي حرب باردة عليهم وحارة علينا.
ولكن وضع الروس مختلف فهم من دون حلفاء اللهم إيران، ولذا فهم مضطرون للدخول المباشر في المنطقة لأن حليفهم السوري أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، ولكن الأتراك الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة كانوا لهم بالمرصاد ولديهم نزعة جهادية، وبالطبع ليست نزعة ذاتية منهم بل ممن خلفهم وسأحكي لكم بالتفصيل عن سر هذه النزعة الجهادية.
وقبل الدخول في ساحة المقالة أو المعركة، يجب أن أؤكد أن احتمال المواجهة المباشرة بين هذه الدول من الصعب تصوره، إلا أن سياسة ضبط النفس الروسية قد لا تتحمل سياسة الدفاع عن النفس التركية مما قد يؤدي هذا إلى احتمال وقوع مصادمات جديدة بين الروس والأتراك لا بد منه ولكن بحذر ومن بعيد.
أما قصة ما يحدث على الساحة السورية اليوم فسببه أن الروس والأميركيين يخططون للسيطرة على المنطقة، ويسعون لتحقيق ذلك على طريقة لعبة الشطرنج، فالروس كما قلت لكم سابقاً قطعوا الطريق أمام المخطط الأميركي في المنطقة ودخلوا للحفاظ على حليفهم الرئيسي والوحيد في المنطقة أي الأسد، ومع ذلك لم يكره الأميركيون هذا التدخل لأنهم يعلمون أن «داعش» والأترك وحلفاءهم من الفصائل الإسلامية المتطرفة في انتظارهم، ولذا هم فرحون بتورط الروس عسكرياً في سورية لأنها ستضرب عصفورين بحجر واحد، والعصفوران هما «داعش» كما تدعي الولايات المتحدة وروسيا.
ولإعداد المصيدة للروس قرر الأميركيون وحلفاؤهم التفكير جدياً في عمل منطقة عازلة شمال سورية لتكون نواة لمواجهة الروس، وأيضا لإبعاد الحرج عن تركيا والتي كانت وستظل نافذة ساحة المعركة من الشمال، ولكن روسيا فهمت اللعبة وهي اليوم تقصف على الحدود التركية وأمام أنوفهم في تحدٍ واضح لهذه الفكرة، ومع ذلك لم يخف هذا القصف الأتراك وأسقطوا طائرتين بحجة أنهما انتهتكا المجال الجوي التركي ولتحذير الروس، اشتكوا عند حلف الناتو، ولكن الأمور لا تعرف الثبات فالفرنسيون الذين اكتووا بهجمات الشهر الماضي يسعون إلى تكوين تحالف دولي كالذي عمله الأميركيون عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولكن على طريقتهم الخاصة وهي طريقة لن تنجح مطلقاً.
وبالطبع لن يرق هذا الأمر للأميركيين ولذلك لم يستحِ الرئيس الأميركي وقال في وجه ضيفه الفرنسي: لا داعي للتحالف فنحن حالياً لدينا تحالف من 56 دولة ولم يشذ عنا سوى روسيا وإيران، وكأنه يقول له إذا كنت تريد التحالف اركب القطار الأميركي أو استرح، ولكن الرئيس الفرنسي رد عليه وبالفم المليان وقال: سأذهب إلى روسيا للتنسيق معها حول محاربة «داعش» وكأنه يقول أسلوبكم لا يعجبني.
ومع ذلك لن ينجح هولاند في ذلك، لأن مشكلته مع الروس جوهرية أعقد فكلاهما لديه مصالح تاريخية في سورية، وما يخدم الروس هو بقاء الأسد، وما يخدم الفرنسيين هو ذهاب الأسد، بمعنى إما أن يركب الفرنسي القطار الروسي أو يستريح أيضاً، والمنطقة بانتظار الخيار الفرنسي الذي سيرجح ميزان القوى في المنطقة.
على أي حال الأحداث حتى هذه اللحظة تتداعى ولم تستقر بعد، والتحالفات على قدم وساق وإذا لم يحلوا المشكلة السورية، فإن منطقة الشرق الأوسط بما فيها إيران وتركيا ستتحول إلى منطقة الشر الأوسط والله المستعان.
[email protected]