قذرون... وقحون!

تصغير
تكبير
سارا معا في زحام وسط البلد وعيون المارة تنهش جسدها الذي لا ينتمي للمكان. بدأت التعليقات تصل إلى مسمعهما. كان قليلها عاديا وأكثرها بذيئا.

•كل العيون تلاحقنا. كيف تتعمدين ارتداء مثل هذه الملابس الملفتة؟


- ملابسي ليست فاضحة، عيونهم هي القذرة.

•رغم معرفتك بأن شارعك العربي لم يعد كالأمس. وأن الحشمة صارت شرطا لدخول الشارع.

- أولا انا محتشمة، وثانيا انا أرفض هذا الشرط، وثالثا أرفض الاستسلام له.

الحشمة التي ذكرتها لها مرادف آخر أكثر دقة هو (النفاق) والذي وضع الشرط الذي ذكرته معروف، فهل أرضى بأن أكون جزءا من الرعية؟ بالطبع لا.

من حقي أن أسير على تراب وطني بطريقتي. من حقنا ان نكون شموعا وسط هذا الكم الهائل من السواد. من حق كل مواطن أن يحيا بطريقته. وواجب هذه الأرض استيعاب كل طرقنا وملابسنا.

بدأت أصوات تصف ساقيها بأوصاف قادمة من قاع المجتمع. نظرت إلى مصدر الصوت مقطبة حاجبيها، فضحك عاليا وصرخ بوجهها: تسرن عاريات ولا تردن أن يتحرش بكن أحد. ثم ضغط بحذائه المتسخ على الأرض لينطلق مسرعا قبل أن يسمع سبابا اعتاد عليه.

•هل ستمضين حياتك بسماع التعليقات البذيئة التي تضايقك تحت شعار (لن أرضخ) فيما وطنك راض بحكم من وضعوا الشروط؟ حالة التحدي التي تعيشيها ستجلب لك المتاعب. أنت من يتضايق دائما ويعلن تبرمه من البجاحة التي يتعرض لها في الشارع العام.

- لا تقلق، لأن تبرمي سيغدو مضاعفا مئات المرات لو كنت انصعت لطريقتهم ومشيت كما يقرر الجهلة. أقله أني أسير الآن بكرامتي، وهذه تعني لي الكثير مهما كانت بذاءتهم.

ألقت نظرة خاطفة على فستانها البني الجميل الذي يغطي صدرها وأكمامها ويصل لركبتها. أرادت التأكد من جريمة ارتداء فستان أنيق يظهر جمالها.

•تريدني أن ارتدي مثلهم؟

- إياك. بل افعلي ما ترينه مناسباً ؟

إنها حرب شعواء. وتجاوبي معهم يعني أني آمنت بهم. لن أرضخ مثل كثيرات فعلن ذلك لأجل النفاق المجتمعي. ولا تهمني نميمتهم، ولن تطفئ وقاحتهم شموعي.

أسرعت الخطى لتعجيل الوصول لسيارتهما الواقفة آخر الشارع. أصابتها نوبة قرف من مشهد العيون التي تشبه بعضها، ونوبة حزن. شعرت أن وسط البلد هو البلد بأكمله. أن الناس هنا هم الوطن على حقيقته. وأن المشوار طويل. وأن الأمل معدوم. فباغتتها رغبة قديمة بترك المكان.

أعادت النظر لفستانها، تأكدت أن قصته غير مبتذلة. وأنه أنيق لكنه أنثوي.

- ماذا يريدون مني. أن أكون مشعثة المظهر. وأغطي جسدي بملابس تفتقد للذوق، ثم أسدل ياردات من السواد على نفسي لأخفي هويتي كأني هاربة من جريمة. أهكذا يرضى الجميع. انظر للأقمشة صاخبة الألوان، وملابس لا نكهة ولا معنى لها غزت شوارعنا وعواصمنا وعقولنا. باسم الحشمة غاب الذوق من أزياء النساء وحلت محله فوضى الهندام.

وفيما عجلات السيارة تقطع بهما الشوارع:

•في عز مراحل تمردك أسمعك، بلحظات نادرة، تغبطين أبناء وبنات الحياة العادية فتبدين إعجابك بربة منزل توقفت أحلامها لحظة زفافها. أيامها المتشابهة تدور بين الشجار مع جارة أو عرض النزهة على صديقة. هذه الغبطة تتناقض تماما مع عنادك. فالجارة والصديقة لهما نفس العيون التي كانت تلاحقك قبل قليل مستغربة جرأتك.

- لا أفتقد للرتابة، كونها مملة. إلا أني أعجب أحياناً بالجمود لأنه مريح.

•لأنك تحاربين في معركة غير متساوية بعدد جيوش أطرافها.

- لكنك حين التقينا للمرة الأولى شجعتني ودعمت أفكاري.

•لم أقل لك اطلبي من الجميع أن يتغير فجأة. ثم أني أخبرتك أن الطريق ستكون وعرة وأنت أبديت الموافقة.

- قلت أنك ستحميني.

•لم أتخل عنك وسأدعمك دائما. فهذه مهمتي.

- هل مللت تخبطي؟

•مهمتي حماية تخبطك. ومنحه قوة البقاء.

كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي