حديث الأيام

ما الذي حدث في المنطقة؟ ... وماذا سيحدث غداً؟

تصغير
تكبير
ما نعيشه اليوم هو نتيجة ما حدث في الأمس.

هل تذكرون العام 2003 عندما اجتاحت القوات الأميركية العراق فجأة وتحت ذرائع واهية، وما فعل بريمر الحاكم العسكري للعراق بعد الاجتياح، لقد هدم كل أركان الدولة فحل الجيش والشرطة وموظفي الوزارات، وتمت ملاحقة كل الشعب العراقي بحجة الانتماء لحزب البعث، رغم أن الانتماء للحزب كان يتم بصورة أتوماتيكية لكل عراقي مولود في فترة حكم صدام حسين!


المهم أن الأميركيين مسحوا اللوح ليبدأوا من جديد، ونتيجة لهذه العملية تُرك ثلاثة أرباع الشعب العراقي بلا عمل ولا أمل، فتسلمت المليشيات الشيعية القادمة من إيران العراق الأرض العراقية ومن عليها، وأصبح العراق أهواز جديدة، ومن الطبيعي هنا أن تصبح الأمور مشجعة للمتطرفين لدخول في حرب طائفية، ولم يكره الأميركيون ولا الإيرانيون ولا حتى السياسيون العراقيون ذلك فكلها تساعد على بقائهم في العراق، المهم أن ما خطط له الأميركيون هو جعل العراق بمنطقة صراع مفتوح، لكي يصبح أرضاً خصبة لإنشاء قوة سياسية جديدة وممعنة في التطرف، ولكي تبدو كخطر على الأميركيين والغرب وعندها يصبح من الواجب محاربتها، وهنا ستصبح عاملاً مساعداً لتدوير عجلة اقتصادهم، وثانياً لجعل تقسيم المنطقة طائفياً أمراً منطقياً كما حدث في يوغسلافيا وعندها يسهل السيطرة عليها وكذلك إشعالها عند الضرورة.

وبالفعل نجح الأميركيون في تكوين نواة هذه الدولة الجديدة وأطلقوا عليها دولة العراق الإسلامية، وعندما قامت الثورة السورية تحسنت الظروف، وتمدد هذا الكيان الوليد على حساب سورية المفككة وأصبحوا يطلقون الدولة الإسلامية في العراق وسورية.

ومع أن هذه الدولة الوليدة تم التخطيط لها من قبل الأميركيين أساساً، إلا أن المستفيدين منها كثيرون، فتركيا تستخدمهم لمحاربة الأكراد وليس لديها مانع في أن تكون المعبر الرئيسي لمقاتلي «داعش»، وإيران يهمها أن يستمر ضغط «داعش» لتبريرتدخلها في العراق، والسياسيون العراقيون لا يمانعون في تمدد هذه الدولة على حسابهم بحكم تبعيتهم السياسيه لإيران، وأما الرابح الرئيسي ومن دون خسارة فهم الإسرائيليون الذين يساهمون باستخباراتهم ومن خلال وسائل الإعلام الالكترونية في تأجيج المنطقة.

لاحقا وبعد الثورة السورية قام النظام السوري بتحرير السجناء الإسلاميين المتطرفين لديه لينضموا إلى «داعش»، وبالفعل قام التنظيم بالمهمة خير قيام وحارب جميع الفصائل السورية إلا جيش النظام السوري، وفي الطرف الآخر استغل الأميركيون الوضع ودفعوا «داعش» ليتمدد على حساب سورية، ومع الأيام وفي ظل استمرار المعارك لم يستطع النظام السوري مقاومة كثرة الخارجين عليه، وكان المؤهل لتسلم سورية بعد سقوط نظام الأسد هو «داعش» كما يأمل الأميركيون.

في الشمال كان الروس يراقبون اللعبة الدائرة في العراق وسورية على أمل أن يستطيع الإيرانيون و«حزب الله» حل الموضوع، ولكن طول أمد الحرب جعل سقوط النظام السوري حتمياً، وهنا تدخل الروس لإنقاذ حليفهم القديم وحارس قواعدهم على البحر الأبيض المتوسط.

اليوم اصطدم المشروع الغربي مع المشروع الروسي الذي لن يتنازل عن الدولة القومية أو البعثية في سورية والتي ستقلب المعادلة الطائفية والنظام المأمول للأميركيين.

وطبعا من الصعب أن نتوقع نشوء حرب كونية بين الدول العظمى من أجل سورية،ولكنني أتوقع أن يشتد القتال في الأيام المقبلة،حيث سيحاول الروس إحراز تقدم على الأرض يشمل كل المناطق التي يراها الروس والسوريون لا غنى لهم عنها، وسيحاولون ذلك بأسرع وقت ممكن لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى مشاكل دولية واشتباكات عسكرية قد تحرج الدول العظمى، وبعد أن يحقق الروس هذا التقدم المطلوب سيحاولون الجلوس مع الأميركيين لتقسيم سورية مبدئياً والاحتفاظ بحصة الأسد لنظام الأسد في القسم الغربي الساحلي، وسيتركون للأميركيين حرية التصرف في المساحات المتبقية من سورية من جهة العراق.

ولكن الأميركيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون الروس يتقدمون على حسابهم، وعندها سيتعاملون مع حبيبهم الشيطان لإخراج روسيا، أو على الأقل إحراجها، وربما تأديبها لأجل أوكرانيا، وعلى هذا الأساس سيزيد دعمهم لـ«داعش».

فالمرحلة القادمة في سورية هي مرحلة حسم بين الدول العظمى وسيكون الحل في النهاية تقسيم المنطقة، وكل ذلك سيكون بغير مشورتنا، لأن العالم العربي اليوم أضعف بكثير منه في مرحلة الاستعمار، وبينما كان العالم في القرن الماضي يتقدم كنا نحن نتأخر فازدادت الفجوة ولذا نحن اليوم خارج التغطية وخارج اللعبة السياسية.

fheadpost@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي