حديث الأيام

الموت على شواطئ الأمل !

تصغير
تكبير
الهجرات الجماعية حالة شائعة، ومتكررة على مر التاريخ، والأمثلة عليها كثيرة ومريرة، والتاريخ المدون يبدأ بسفر الخروج لبني إسرائيل من مصر، ويمر بهجرة المسلمين إلى المدينة، وبسبب التاريخ أيضا هَجَّر الإسرائيليون الفلسطينيين من ديارهم، ومادام هناك تاريخ فستكون هناك هجرات، واليوم تكشف الهجرات الإنسانية عن وجهها البشع عندما يهرب الناس من الموت في سورية، ليجدوه في انتظارهم على شواطئ الأمل.

وهروب الناس في حالات الحروب أو المجاعات أمر فطري، فعندما تبدأ الحرب تتوقف الحياة، وتبلغ بشاعة الحرب ذروتها عندما تتساوى حياة الإنسان مع كسرة خبز أو رشفة ماء، وخيار اللجوء ليس خياراً، بل هو قدر من لا خيار له، ولا يشعر بمعاناة النازحين إلا اللاجئ نفسه، الذي سيجد نفسه غريباً تقتله الحسرة، فقد تغير المحنة شخصيته ليخرج إنساناً آخر، حيث سيختلف عندها سلوكه وطريقة تفكيره، ولابد أن تهز هذه التجربة مبادئه حتى تصل إلى معتقداته وثوابته، وسيستعرض هذا المُهاجر شريط حياته، ليتتبعه، ويعيده ويكرره ليفهم ماذا حدث، وكيف حدث، ولماذا حدث، وماذا يفعل هنا، وماذا يفعل غدا، وهل فعل الصواب، وما هو الصواب أصلاً، وكل سؤال أشد قساوة عليه من الآخر.


ولا نستطيع أن نلوم المهاجر العربي الذي يلجأ لدول أوروبا، فالإنسان العربي في وطنه مجرد رقم وعادة ما يساوي صفراً، ومع ذلك يعتبر مقيماً حتى تثبت براءته وأحياناً يصبح مقيماً بصورة غير مشروعة كفئة غير محددي الجنسية في الكويت!، بينما الإنسان في الغرب ثروة قومية يجب المحافظة عليها واستثمارها.

ولسنا بأذكى من الغرب، وليسوا بأكثر منا رحمة وشفقة، إلا أنهم أهل التخطيط وصُناع المستقبل، ويدركون قيمة الإنسان وحاجتهم إلى الثروة السكانية، لكونها الطاقة المحركة للاقتصاد والإبداع، ولأنها بالتالي الطاقة الواعدة بالاستهلاك والنمو.

أما العالم العربي اليوم فلا يمكن حتى النظر إليه، لأن أنظمته مشغولة بحالها، فتركت شعوبها للتحالف مع بعضها.. وقل لي ضد من؟!، أما جامعة الأنظمة العربية، فقد قتلتها سياسة الأنظمة العربية، وآخر (قفشاتها) أنها تريد أن تفتح ليبيا بالقوة!، وقل لي ستحارب مع من؟، ولمصلحة من؟، ولا أدري لماذا تريد أن تتدخل في ليبيا اليوم ولا تريد أن تتدخل في سورية أو العراق أو اليمن؟

وكان الأجدر بها أن تستحي وتختصر دورها على توفير ملاذ أمن للمهاجرين العرب الذي أصبحوا لاجئين حتى في دولهم!، وهذا ليس من باب المستحيل فهي تستطيع أن تقوم بتوزيعهم على الدول الأمنة (إن وجدت)، وبالحصص نسبةً إلى عدد سكان كل دول عربية، ومن الممكن الاستفادة من توظيف تلك الطاقات المهدورة، وسيكونون عرباً بين إخوانهم العرب، مع انني متأكد من أن هؤلاء المهاجرين لو خيروا، فسيفضلون اللجوء إلى إخوانهم الأوربيين، لأنهم يدركون أنهم في العالم العربي سيصبحون كالمستجير من الرمضاء بالنار !

fheadpost@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي