لا نظن أننا نبالغ حين نقول إن الأزمة الأساسية التي يعاني منها العالم اليوم هي أزمة أخلاقية منذ أن بدأ يتراجع الحسّ الإنساني، ويكثر الزيف والخداع، والتناقض بين ما يفعله المرء في خلواته، وما يفعله أمام الآخرين، وهذه الأزمة مرشحة للتصاعد بسبب زيادة الانفتاح على العالم، والثورة التكنولوجية التي تفجّرت من دون سابق إنذار، ومن الصعوبة التحكم فيها أو الحد من انتشارها، إن أردنا أن نتكلم عن الإنسان السّوي الطبيعي يفترض كلما زادت درجة التحضر لديه الناتجة عن الانفتاح، يصحبها زيادة الوعي وبالتالي زيادة في الالتزام الأخلاقي ليتمكن من التعامل مع كل ما يصّدر إليه حسب ضوابط دينه ومجتمعه، كما أنه سيسيطر على رغباته ويكبحها التي عادة ما يكون التجاوب معها على حساب حسن الخلق واستقامة السلوك.
فاليوم نحتاج المربي الواعي المدرك بحجم الثورة المحيطة بنا، المربي المثقف الذي يربي أبناءه وطلابه بآليات مدروسة منتظمة لا يخرج عن إطارها إلا للضرورة التي لا تتعارض وتتصادم مع الأخلاقيات.
إن التربية الأخلاقية تقوم على ركيزتين أساسيتين، ويفترض من كل مربٍ له رؤية بمهمته المنوطة، ولديه رسالة عظمى يريد توصليها أن يكون ملماً بالمعلومة، فالركيزة الأولى هي.. الركيزة العاطيفية حيث يتم التركيز على تهذيب الجانب الروحي والنفسي، وذلك عند بناء قيم مثل التسامح والاحترام والمحبة والثقة بالنفس...
والركيزة الثانية هي.. الركيزة الفكرية إذ يتم اعتماد المنطق والمحاكمة العقلية عند ترسيخ بعض القيم من مثل قيم.. التعاون والتفاوض والحفاظ على البيئة والتواصل مع الناس، ومراعاة مشاعرهم ومراعاة الذوق العام... ولابد أن يدرك كل مربٍ أن مخاطبة العقل من أجل الأخلاق لا تعني تكديس المعارف والنصائح في عقل من نربي، فهذا أسلوب يضر أكثر مما ينفع، وهذا يعني أن نحرص على بلورة المعارف والنصائح إلى سلوك سوي سليم يراه الأبناء أو الطلاب ليفهموا الأسلوب التربوي الذي يمكنهم من الالتزام بالجانب الأخلاقي واعتماده في تلبية رغباتهم وتطلعاتهم، وطريقة تفكيرهم.
نحن نريد من وراء التربية الأخلاقية تكوين شخصية تتمتع بالحس الأخلاقي والسلوك المستقيم، لخلق جيل ينبذ الفساد، ويرفض الظلم، ولكن! من المسلّم به في الأدبيات التربوية أن الحاسة الأخلاقية لا تنمو في أجواء القهر والكبت والملاحقة والتعنيف، وإنما في أجواء الأمان والاستقرار والحرية، حيث يتاح للأبناء والطلاب أن يتصرفوا في حدود معيّنة بحسب قناعاتهم ورغباتهم، أي يكون لديهم أكثر من خيار في معظم الأمور، وهم يقومون بترجيح خيار على آخر، هذا لا يعني أن نلقي الحبل على الغارب، كما لا يعني عدم المراقبة والمتابعة، لكنه يعني ألا نلح في الأمر والنهي، فيصبح سلوك من نربي شغلنا الشاغل ونلهى عن الحس الأخلاقي الذي هو أساس لكل قيمة وقناعة ومفهوم. الوضوح والثبات على الحق ضروري في تربية الأبناء لأنهم سيعيشون في زمان قد يكون خفوت الصوت الأخلاقي فيه هو الغالب.
إلى كل مربٍ نرجوه رجاءً خاصاً بأن يهندس حياته وحياة من يربيهم على الحس الأخلاقي، إن ما هو مطلوب من أخلاقيات وسلوكيات حميدة ونبيلة، نعتقد بأنها كافية لبناء جيل ثقافته الأخلاقيات الجميلة الحميدة، وإنكار ورفض والفساد والمفسدين.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib