صرّح وزير المالية أنس الصالح قبل أيام بأن ميزانية الدولة تعاني من عجز بحدود 10 مليارات دولار للسنة المالية المنتهية في مارس الماضي. بعدها بيوم واحد تراجع بتصريح آخر بأن وضعنا المالي «متين».
تصريحه الأول أشعل النقاشات والتذمر بين المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي والديوانيات ونقاشات الكويتيين أثناء الدوام.
الجميع هاجم الوزير المسكين وحملوه وِزر العجز، وكأنه «جايب الرقم من بيتهم». عموماً لم يطل هذا التصريح المزعج حتى لحِقه بإبرة مخدرة في تصريحه الثاني بأن الحالة المالية للكويت مريحة ووضعنا المالي متين.
المُفترض من الشعب الكويتي أن يصحو على هذه التصريحات ويعي أن الأوضاع المالية للدولة على محك خطير. فنحن بعد عقود من الزمن ما زلنا نعتمد في لقمة رزقنا على هذه الآبار. فالزمن تغير، والعالم من حولنا يعيش في القرن الواحد والعشرين حيث الابتكارات والاختراعات، فالإنسان الآلي صار يغزو كل فضاء عمل، والمركبات أصبحت تقودها الكمبيوترات، ومصادر الطاقة تنوعت والنووي والشمسية والرياح والهواء والماء ليس بآخرها، وكما ترون من حولكم، التغيرات الاقتصادية والسياسية والأمنية والتكتلات وسقوط دول وقِيام أُخرى كلها وقائع موجودة على الأرض، ولا يمكن تجاهلها ونكرانها. وها نحن نعيش هذه الأيام انهياراً مخيفاً في أسعار النفط، فضلاً عن المشاكل التي تحيط بنا في ما يخص إنتاجنا النفطي بيننا وبين أقرب الاقرباء.
لذا فمن المنطقي جداً أن نصحو جميعاً من هذا النوم العميق، ونُخرج رؤوسنا من غرفنا المزيفة ونُطل على العالم من حولنا لنعلم كم نحن بعيدون عن توفير حياة صحيحة تمتاز بالاعتماد على العقل والفكر والمجهود الذاتي بدلاً من الاتكالية والنمط الاستهلاكي الذي طغى طِوال هذه السنوات فجعلنا نركن إلى الاسترخاء والراحة، «فالسعيد من اتعظ بغيره».
أما الشيء الثاني فهو هذه الحكومة التي أصبح كُل هدفها إراحة الناس وعدم إثارة الفزع بينهم حتى ولو كان على حساب المستقبل وإنقاذ الكويت. لا أقول إن تصريح الوزير خطأ، ولا أقول إن الكويت لا تحظى بالمتانة المالية، لكن استفيدوا من هذه الضربات الاقتصادية التي يُعاني منها سوق الطاقة الدولية بإيجابية وببث روح التفاؤل والنظر للمستقبل بجدية وباجتهاد بتحسين وتطوير هذه الصناعة سواءً إدارياً أو سياسياً وبإسناد القيادة للشباب المُخلص.
حارِبوا الفساد، وأعيدوا الاستثمارات الخارجية بحيث توجه فوائض الإيرادات النفطية إلى مشاريع مستقبلية تعوض ما ستخسره الكويت من انهيار للسوق النفطية لا سمح الله إن حصل. وأخيراً أعيدوا سياسة بناء الإنسان الكويتي حتى يصبح مشروعكم الاستثماري الاستراتيجي الأول والمصدر الطبيعي الذي يزيد ولا ينضب.
hasabba@