رأي قلمي

كالبنيان المرصوص... !

تصغير
تكبير
إن النظرة الإسلامية التي تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع تقوم على أسس عبادية قبل كل شيء، فالمسلم يتقرب إلى الله - جل جلاله - بخدمة المجتمع والدفاع عنه، والجماعة بمؤسساتها المختلفة، وجهودها الفردية تسعى إلى توفير الشروط الموضوعية والنفسية التي تتيح لملكات الفرد أن تتفتح، ولطاقاته أن توظّف وتستثمر من دون تطرف أو إرهاب، وليس على الفرد إلا أن يستحضر في ذلك المسؤولية الشرعية، ويستهدف نيل رضوان الله - تعالى - بهذه النظرة الإسلامية المعتدلة. وهذا التعاقد بين الفرد والمجتمع لا يقوم على الاتفاق، كما أنه لا يقبل النقض، وإنما ثمرة الإيمان بالله - جل جلاله - والخضوع لشريعته، وثمرةُ العيش في كنف الجماعة المسلمة.

إن المجتمع يكون مجتمعاً عن جدارة بمقدار ما يحسّ أفراده ببعضهم، وعلى مقدار ما يجري فيه من أنواع المراعاة والمعاونة، وعلى مقدار ما يسوده من التعاطف والحب والشفقة، وهذا ما جسّده المجتمع الكويتي في أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق، الجمعة الفائتة، المجتمع بكل أطيافه استوعب أن في توجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه ما يدل على أن التفكير في راحة الآخرين وسعادتهم بالعبادة وغيرها ينبغي أن يحتل جزءاً رئيساً من اهتمامات المسلم ووقته وجهده، فاستجاب للتوجيهات واتبعها خير اتباع، وهذا شرط من شروط قبول العمل، فالشرط الأول الإخلاص في الأعمال لله تعالى وحده، والثاني الاتباع للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله وأقواله. فكان المجتمع الكويتي في ذلك اليوم مجتمع التراحم والإحساس المشترك، انصهرت التقسيمات والتصنيفات والفئات في بوتقة الوحدة الوطنية.


كان لترشيد مفهوم المواطنة في ذلك اليوم النصيب الأكبر بين الكويتيين، في السابق بعض أفراد المجتمع يتخذ من المواطنة مدخلاً للتعصب المقيت والانغلاق والتحيز ضد الآخرين، وهذا كله ينافي المفهوم الإسلامي للانتماء الوطني. وما إن علم الكويتيون بخبر التفجير إلا وقاموا بترشيد وتصحيح وتجسيد مفهوم المواطنة، وتوصيل رسالة للعالم أجمع، أن الوطنية هي شعور بشرف الانتماء إلى الكويت، وهذا الشعور يتولد من التلاحم الوطني ومن كرامة الأوطان وعزتها، أثبت المواطن الكويتي بأنه مواطن صالح، مستقيم الشخصية، حينما أسهم في رقي البلاد ونفعها ومساعدة أهلها، ورسّخ المواطنة الحقيقية التي هي عطاء أكثر من أن تكون أخذاً، وها هم توافدوا للتبرع بالدم، وتقديم واجب العزاء، وزيارة المرضى، ونسفوا كل المفاهيم المغلوطة، والصور الخاطئة التي تمارَس باسم الوطن والوطنية من التمييز العنصري وغيره، وقالوا بأعلى أصواتهم للعالم أجمع لا للانتماءات الفرعية التي تمثل شروخاً في جدار الوطنية مثل التعصب للعائلة والقبيلة والطبقة الاجتماعية والمذهبية.

من حق الكويتيين أن يفاخروا مجتمعات الأرض بالصرح الشامخ الذي شيدوه بترسيخ وتوطيد مفهوم فقه المواطنة الحقيقية، وأجبروا العالم على أن يصنّف المجتمع الكويتي في ذلك اليوم من المجتمعات المتحضرة، بدرجة وضوحه وعطائه في حب الوطن، وتماسك والتحام وتعاضد أفراده، فقد ترك التخلف خلفه ولم يلتفت له، فكانت رؤيته واضحة لحقوقه وواجباته، فهذا هو الكويتي تجده متحضراً ومتمدناً بالأزمات والشدائد والضائقات، فكيف به في أوقات الرخاء والرفاهية فعطاؤه لا يماثله عطاء، تحية إجلال وإكبار لكل كويتي كسّر قوالب التعصب وانصهر في بوتقة الوطن.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي