منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي

إلى مَنْ نذهب..؟!

تصغير
تكبير
أخبرنا الله تعالى - بأننا نولد ونحن جاهلون بكل شيء حيث قال - سبحانه: «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون»... ولكنه سبحانه جل جلاله كما أخبرنا بجهلنا، زودنا بأدوات بإمكانها التقاط الكثير من صور الواقع ومعطياته، والكثير من المعارف والخبرات والتجارب التي تراكمت لدى البشرية، لأننا بواسطتها أي الأدوات التي هي الحواس الخمس... السمع والبصر والشم والذوق واللمس، نستطيع أن ندرك الوجود.

تتشكل لدى الإنسان الخريطة الإدراكية، فحين تستقبل حواسنا البيانات والمعلومات والمشاهدات والمسموعات عن ظاهرة من الظواهر أو حدث من الأحداث... فإنها تنقل ذلك إلى الدماغ، وهنا يقوم الدماغ بالنظر فيها من خلال ما لديه من مبادئ ومفاهيم وانطباعات سابقة، ويحاول بالتالي تحديد موقف منها، أو تنظيم رد فعل معين تجاهها أو إصدار حكم عليها، ومن خلالها يصبح لدينا مرجع وإطار لفهم وتصنيف ما نراه ونسمعه ونشعر به، ومرجع وإطار لتفسير وتأويل كل مصطلح أو مدلول أو حدث.


وبما أن العقل ليس مجهزاً بفطرته للتعامل مع الصفات بكفاءة، على خلاف جهوزيته للتعامل مع الكم والرقم، لا بد من تعريف وتصنيف الألقاب والأشخاص، لتجنب التداخل ونطلق على العالم مثقفاً، والمثقف مصلحاً، والمصلح مفكراً، وغيرها، لأن جميعهم يستخدمون الأفكار والمفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالحضارة والإصلاح، ويمارسون نوعاً من النقد للواقع، لذا قد يصعب على العقل أن يتعامل مع صفاتهم من دون تصنيفهم.

فالعالم مثلا... هو شخص برع وحذق في تخصص من التخصصات حتى تفوق على أقرانه، وتطلق كلمة عالم على كل متمكن في علم من علوم الشريعة وغيرها، والمصلح.. هو شخص لديه أفكار ورؤى إصلاحية ذات طابع اجتماعي أو أخلاقي أو سياسي، وهو في العادة يستند في أفكاره ورؤاه إلى الرصيد العقدي والثقافي الموجود لدى مجتمعه، والمثقف... شخص تجاسر وتجاوز تخصصه الأساسي، ووسّع دائرة اهتمامه، وكرّس وخصص وقته للقراءة والاطلاع، ليتزود بعلوم حياتية تختلف عن تخصصه الرئيسي، والفيلسوف... هو ذلك الشخص الذي يبحث في التعريفات والمصطلحات والقيم والأهداف، ويبحث في مسائل وقضايا كلية لا جزئية، وهو يقوم بصناعة المفاهيم وإبداعها ونقدها وتطويرها وغربلتها، أما المفكر... فهو الشخص الذي يحاول توفير أسس لقراءة الماضي والاستفادة منه، كما يحاول أن يوفر قواعد لفهم الحاضر وربطه بالسنن الكونية، وهو يتردد بين صناعة المفاهيم وبلورة الرؤى واستخلاص العبر وكشف السنن، وبين إصلاح الواقع من خلال تشخيص الأزمات التي يعاني منها الناس.

وكل صاحب لقب من الألقاب له دوره في المجتمع، وإن تعرضنا لموقف أو حدث، أو عرض علينا عارض، أو ألمت بنا مصائب يستعصي علينا تشخيصها أو علاجها، نتجه لمن يحمل معنى ومضمون اللقب وليس اللقب بحد ذاته، فإما أن يقدم لنا الوقاية أو يصف لنا العلاج.

[email protected]

mona_alwohaib@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي