علق العلامة المفسر عبدالرحمن السعدي رحمه الله على قوله تعالى: «كل حزب بما لديهم فرحون»...(يزعمون أنهم المحقون، وغيرهم على غير الحق).
بهذا التعليق الجميل الذي تكلم بهذا المعنى الأكثر من علماء التفسير أسلط الضوء على معنى الحزبية الذي أصبح الطريق للتنفير من الآخر عن طريق أدعياء السلفية في الوسط الإسلامي بين التيارات والدعاة والمشايخ، وربما قيل حتى من عامة الناس فلان حزبي أو متحزب، فكيف نفهم هذا المصطلح؟، فعندما نلاحظ التفسير الذي وضعه العلامة السعدي مع سياق الآية نتأكد أن القرآن الكريم يحذرنا من التعصب للرأي والفرح به وحصر الحق بنا، فالحق واحد ولكن التفسير لهذا الحق متعدد خاصة اذا كان مقبولاً ولا يصادم قواعد الدين التي استنبطها العلماء بطرقهم الأساسية، ومن هنا نعرف كيفية خلاف الصحابة رضي الله عنهم بالمسائل وهم أقرب جيل للقرآن الكريم فكما سماهم سيد قطب رحمه الله جيل قرآني فريد، ولهذا فإن الخلاف بالرأي أمر طبيعي في حدود قواعد الدين.
من الملاحظ أنه لم يكن أبداً مقصود الآية ما يذهب إليه بعض دعاة السلفية من حرمة العمل الجماعي والتنظيمي أو الحزبي، فليس المقصد من كلمة حزب بالقرآن هو الحزب بمفهوم الواقع المعاصر، فلم تكن هناك تكتلات او تنظيمات بالمفهوم المعاصر فالتحذير بالآية عن (حصرية الحق)، ومن الملامح الرئيسية التي يمارسها أدعياء السلفية من تحزب وتعصب هي:
- حصر مصطلح (كبار العلماء) أو العلماء الأكابر بعدد معين من العلماء والمشايخ وإظهارهم كأنهم المرجع الوحيد في فهم الدين ومن يختلف مع الرأي الذي وصلوا إليه كأنه خرج عن المنهج السليم مع تعدد علماء الأمة وبلدانهم ومشاربهم وتراثهم العلمي المختلف المتنوع.
- عدم الاستضافة وتلقي العلم إلا من هم في تطابق مع منهجهم ولو كان عند غيرهم اجتهادات لا تعارض قطعيات الدين بل هو خلاف ضمن دائرة أوسع.
- محاربة إصدارات من يختلف معهم واستبدالها بإصداراتهم وان كانت القيمة العلمية بالأولى أكثر أو اللجوء اليها بشكل ضيق جداً بتكتم وحياء.
- محاربة الكفاءات في المناصب الرسمية بالدولة وغيرها لمن يختلف معهم ويخاصمهم لمجرد الانتماء بل وأحياناً استبدالها بمن هم أقل كفاءة بسبب أنه من توجههم.
- الوشاية بالخصوم عند السلطة وقيادات الدولة وأهل النفوذ بالبلاد والتحذير منهم بل والافتراء عليهم وتضخيم الأخطاء وتعميم الخطأ.
- الاتهام بالبدعة والضلالة للمخالف ولو كانت بعض المسائل فيها آراء معتبرة تاريخياً أو بشكل معاصر تفصيلي للنوازل وفيها مباحث كثيرة وتأصيلات متعددة.
- تحقير وتصغير الأعمال الكبيرة والإنجازات لخصومهم وإبراز عيوبهم والأخطاء بل ربما الافتراء عليهم.
- عدم الاعتذار لمن يخالفهم إذا قاموا بعمل كانوا يستنكرونه على المخالف بل والمسابقة فيه والتوسع دون أي تبرير.
- التعصب لمن هو في تيارهم لفعل معين واتهام الخصوم بالحزبية إذا قاموا بذات الفعل.
- الوقوف مع الخصم الأكبر والأعمق خلافاً منهجاً وفكراً ضد المخالف الأقرب منهجاً وفكراً.
هذه ملامح مختصرة عن حزبية أدعياء السلفية التي يبذلون قصارى جهدهم في نفيها وحصر الحزبية في عمل التنظيمات والجماعات وكأن المفهوم والآية تقصد هذا السلوك فقط، ويتبع بإذن الله مقالات متوسعة عن حزبية أدعياء السلفية بأسماء رموزهم وتصريحاتهم وتصرفاتهم.
[email protected]