«روكت إنترنت» الألمانية تستحوذ على «Talabat»

زوكربرغ الكويت ... باع «أبلكيشين» بـ 170 مليون دولار!

تصغير
تكبير
• الشركة توسّعت من مكتب صغير إلى 4 طوابق في أحد أبراج العاصمة

• ارتفاع عدد الطلبات اليومية عبر الموقع من 700 إلى 20 ألفاً يومياً
حين فاتح محمد نبيل جعفر القريبين منه بنيته الاستحواذ على «طلبات» قبل ست سنوات، لم يسمع منهم إلا كلمة واحدة... «مينون». «المينون» نفسه باع الـ «أبليكيشن» بـ 150 مليون يورو فقط لا غير لشركة ألمانية، ليستحق لقب «مارك زوكربرغ الكويت».

حدث ذلك في صباح ذات يوم في 2009. دخل محمد جعفر إلى مكتبه الجديد المتواضع في «برج العربية». ربما خطر بباله للحظة إن كان قد تهوّر بدفع كل ما في حيلته لشراء شركة ليس فيها أكثر من مكتب صغير مكتظ بسبعة موظفين وبضعة أجهزة كمبيوتر مهمتها تشغيل منصة الكترونية تصل بين المطاعم وزبائنها.


رغم السؤال الملح، يرفض جعفر، الحائز على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة «سري» في المملكة المتحدة، الإفصاح عن الرقم الذي دفعه، ويكتفي بالقول إنه «كان رقماً كبيراً بالنسبة لإمكانيّاتي ولحال الشركة المتواضع». يومها لم تكن الشركة تستقبل أكثر من 700 طلب يومياً، لكن تطبيقات أجهزة الهاتف الذكيّة كانت صرعة جديدة تعد بالكثير.

أمس، أعلنت شركة «روكت إنترنت» الألمانية في بيان لها استحواذها على موقع «طلبات» مقابل 150 مليون يورو (170 مليون دولار).

قد تكون هذه الصفقة واحدةً من أفضل قصّص النجاح لتجارب الـ«e-business» في المنطقة العربية، لكنّها أيضاً مكافأة لجرأة الرجل الذي صمّ أذنيه عن كل من قالوا له: «هل تريد أن تضيّع فلوسك في شركة بلا أصول... مجرد شركة افتراضية لا وجود لأي أصول ملموسة لها على أرض الواقع؟» يومها لم يجد الشاب الثلاثيني آنذاك جواباً شافياً يوازي واقعية الأسئلة المطروحة، فاكتفى بعبارات بسيطة لم يفهمها إلا نبيل جعفر نفسه.

الآن وبعد مرور ست سنوات على تلك الواقعة، يتذكر الرئيس التنفيذي لـ «طلبات» ذلك «الاستجواب» بكثير من الاعتزاز والرضى، كيف لا؟ وقد توسّعت شركة «اللا أصول»، من مكتب صغير لا تتعدى مساحته بضعة أمتار فقط، إلى شركة كبرى تتوزع مكاتبها على أربعة طوابق في أحد أهم أبراج العاصمة الكويتية.

فكرة الشركة في غاية البساطة. توفّر «طلبات» للمستخدم إمكانيّة طلب الطعام «أونلاين» عبر تطبيق هاتفي سهل الاستخدام يجمع أكثر من 1500 مطعم في جميع المناطق (بينها أشهر الأسماء في عالم الوجبات السريعة مثل «برغر كينغ» و«كنتاكي» و«بيتزا هت»). ويستطيع العميل بكبسة زر أن يختار المطعم والطعام الذي يرغب بتناوله (كويتي - لبناني - فرنسي - إيطالي - ياباني - مكسيكي - أميركي وغيرها)، كما يستطيع أن يتصفّح لائحة الطعام كما لو كان جالساً داخل المطعم، فضلاً عن لائحة العروضات والخصومات الخاصة والكوبونات، التي لا تتوافر خارج الموقع.

وعندما يسجل طلبه يستطيع بكل بساطة أن يطلب إضافة الكثير من البهارات الحارة أو القليل من الملح أو إزالة البصل، كما يمكنه متابعة سير طلبه منذ لحظة انطلاقه وحتى موعد الوصول، ناهيك عن إمكانية إعادة طلب الطبق أو الوجبة نفسها في اليوم التالي بكبسة واحدة.

قوّة هذا النموذج تكمن في أنه يتناسب مع السلوكيات نفسها التي انتشرت في زمن الهواتف الذكية، فبدلاً من الاتصال الهاتفي للتواصل بين أفراد العائلة أو زملاء العمل، بات الجميع معتادين على تطبيق «واتس آب». وكذلك الأمر حين يتعلّق الأمر بطلب وجبة الطعام، فبدلاً من الاتصال بالمطعم وانتظار الرد والاستماع من الموظف إلى قائمة الطعام، بات الطلب عبر التطبيق الهاتفي متفقاً مع روح العصر الجديد، وهكذا كسب جعفر الرهان ليصبح نموذج «طلبات» القاعدة، وكل ما عداه... استثناء.

ثروة الشركة هي هذه الشبكة من المطاعم، وقاعدة المستخدمين الكبيرة الذين تتوافر لديها بيانات عن عناوينهم وأرقام هواتفهم وبريدهم الالكتروني وأطباقهم المفضلة ونمط استهلاكهم، وهذه المعلومات بحد ذاتها ثروة لمن يريد أن يصمّم العروض وشبكات الخدمات اللوجستية.

الانقلاب الجذري في المفهوم الاستهلاكي السائد، استدعى انقلابات عدة على غير صعيد، بدأت برفع عدد موظفي الشركة تدريجياً من 7 أشخاص كان يختنق بهم المكتب الصغير، إلى 170 موظفاً ينتشرون في ربوع دول مجلس التعاون الست، رافعين معهم عدد الطلبات اليومية عبر موقع الشركة من 700 طلب يومياً فقط إلى ما يربو على 20 ألفاً يومياً.

هل كان هذا النمو صدفة سعيدة؟

ينفي جعفر بشدّة، ويقول لـ «الراي» إن قصة النجاح تعود إلى «تخطيط استراتيجي بعيد المدى، استند إلى جملة من الدراسات التي تؤكد أن الشبكة العنكبوتية والهاتف الذكي أصبحا الشغل الشاغل لعموم الناس ومختلف الطبقات، ناهيك عن أخذ القدرة الشرائية الكبيرة للكويتيين في عين الاعتبار».

وانطلاقاً من هذه الوقائع، استهل فريق «طلبات» عمله بحملة ترويجية كبيرة على مختلف الوسائل الإعلانية ومواقع التواصل وغيرها، لعبت الحملة على دافع الفضول والحشرية لدى المستهلكين، الذين يرغبون بتجربة كل ما هو جديد، ولكن التحدي لم يكن في كيفية حثّ الناس على تجربة الموقع لمرة واحدة فقط، بل في كيفية جعل «طلبات» الموقع المفضل لهم اليوم وكل يوم.

وبالفعل بدأت الخطة تؤتي أُكلها، فالأرقام والإحصائيات أظهرت أن «طلبات» استحوذت على كامل الحصة السوقية من خلال نجاحها في المحافظة على الشرائح التي استقطبتها، ليصبح كل فرد من المستهلكين الذين جرّبوا الموقع لمرة واحدة، دعاية متنقلة بحد ذاته في الديوانية والجامعة وفي مكان العمل والملعب وهكذا.

يعود الرئيس التنفيذي لـ «طلبات» بالذكراة إلى الخلف، يروي الصعوبات الكبيرة التي كان يواجهها في إقناع أصحاب المطاعم بالانضمام إلى الموقع، يصف المفاوضات بالصعبة والشاقة، ولكن الحال لم تعد كذلك اليوم، فالأدوار انقلبت، إذ باتت المطاعم تسعى إلى مقر الشركة طالبة الانضمام إلى الموقع الأكثر انتشاراً واستخداماً على مستوى الكويت، فيما بات قبول الشركة لعشرات طلبات الانضمام رهناً بمعايير ومقاييس لا تقبل التفريط بها، منها مثلاً تعويض العميل في حالات التقصير، «لأن المستهلك اعتاد أن يتلقى لدينا خدمة مميزة، والحفاظ على هذه الخدمة له شروط وقواعد ينبغي احترامها وعدم المساس بها».

يروي جعفر هنا أنه في العديد من المرات التي يشتكي فيها الزبون مثلاً من تأخر وجبته، يتم إلزام المطعم بتعويض الزبون بوجبة أخرى ومن دون مقابل، أو يتم تعويضه بهدية معنوية تعبر عن الأسف للخطأ الذي حصل.

التوسع في الخليج

بعد النجاح الكبير الذي حظيت به الشركة في الكويت، رأى جعفر أن الانتقال إلى البلدان المجاورة بات ضرورياً، فإمكانيات الشركة كبُرت، وبالتالي فرص نجاحها في الخارج ليست صعبة إذا ما سارت على نفس النهج الذي اتبعته في السوق المحلي.

فتحت الشركة فرعها في الإمارات، حيث الشركات العملاقة والخبرات والميزانيات الضخمة، بيد أن ذلك كله لم يحل دون تمكن «طلبات» من مقارعة الكبار، والحال نفسه ينطبق على بقية دول مجلس التعاون، فالذي يستطيع النجاح في الإمارات يمكنه النجاح في أي مكان على سطح المعمورة.

ولأن لكل سر مفتاح، يعود جعفر ليؤكد أن خدمة الزبون هي مفتاح نجاح «طلبات»، «ففريق عمل خدمة العملاء في الشركة حريص على إرضاء الزبون إلى أبعد الحدود، يلاحق المشاكل التي يمكن أن تحدث لحظة بلحظة على مدار 24 ساعة، يتابع الشكاوى باهتمام بالغ، يأخذ الملاحظات ويطبقها بحذافيرها دون كلل أو ملل.

ماذا تريد «روكت إنترنت»؟

تعد شركة «روكت إنترنت» التي أعلنت أمس عن صفقة استحواذ على موقع «طلبات» الكويتي بقيمة 170 مليون دولار، واحدة من أنجح شركات الخدمات الالكترونية في ألمانيا.

بدأت الشركة كمشروع صغير لتوصيل طلبات المطاعم، أطلقه ثلاثة أشقاء هم أوليفر ومارك وألكسندر زامفر، وتحوّلت إلى شركة عملاقة مدرجة في البورصة، بقيمة سوقية تقارب 8 مليارات يورو.

قبل أيام قليلة أعلنت المجموعة العالمية التي تطور شركات الإنترنت في مجال التجارة الإلكترونية وتوصيل الخدمات على وجه الخصوص، ضخ استثمارات بقيمة 496 مليون يورو في الموقع الإلكتروني الألماني لتوصيل طلب المطاعم «ليفرهيلد».

كما اشترت «روكيت إنترنت» تسع خدمات إلكترونية أخرى لتوصيل الطلبات في دول متعددة مثل إسبانيا وإيطاليا وباكستان وماليزيا وسنغافورة.

الشركة الألمانية قالت إن الاستحواذ على موقع «طلبات» يأتي في إطار سياسة التوسّع الذي تقوم به خارج الصين، واصفة سوق الطلبات الخارجية في الشرق الأوسط بالجذاب.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «روكت إنترنت» أوليفر ساموير إن الشرق الأوسط يعد أحد أكثر الأسواق جاذبية خصوصاً مع إمكانيات النمو الموجودة ونسبة الأرباح العالية قبل الفوائد والضرائب والاهلاك والإطفاء، مشيراً إلى أن الاستحواذ على موقع «طلبات» يأتي كجزء من استراتيجية عالمية للشركة في مجال تجارة المأكولات.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي