رواق الفكر

السفينة لا تمشي على اليبس

تصغير
تكبير
سألني صديقي البورسعيدي ذات مرة مستنكرا وهو يفرك بإصبعه السبابة جبهته الأربعينية:

ماذا يعني أن تكون دولة كالعراق وليبيا محل نزاع دولي وصراع سياسي وعسكري؟!


ثم اطلق رصاصته الثانية دون ان يمنحني حق التفكير في الاولى مردفا: وماذا يعني ان تكون اثيوبيا والسودان من دول الجوع والفقر رغم مواردهما الطبيعية والمائية وتوافر الذهب والنحاس والغاز الطبيعي بهما؟!

فقلت له واضعا كفي على خدي الأيمن محدقا عيناي فيه:

وماذا يعني انتشار الفقر والتخلف والجوع في دولة غنية بمناجم الألماس والذهب والفحم مثل جمهورية الكونغو؟!

وماذا يعني ان تكون النيجر من أكبر منتجي اليورانيوم وهي مع ذلك تعد من أفقر البلدان حيث أكثر من 60 في المئة من سكانها البالغين 17 مليون نسمة يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم.

ثم اطبق الصمت المكان بعد حوار حول ما سبق، واتفاقنا انها دول الحروب ومناطق الصراع!

ثم اتفقنا متعجبين لماذا أوربا كلها آمنة وآسيا مستقرة وإفريقيا الجنوبية والوسطى تحت السيطرة ومع ذلك فدول العرب فوق النار بل تحت الرماد؟!

وعدنا الى التاريخ نستنطقه بالاشباه والنظائر لما يحدث اليوم؛ فبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى أرادت أميركا أن تستمر في قوتها وسيطرتها الصناعية المتنامية فهداها التفكير الى وجوب ان تبقى أوروبا ضعيفة وأسيرة للمنتج الاميريكي وسلعه فمنعتها ترغيبا وترهيبا من خطورة دعم القطاعات الصناعية والاستقلال الاقتصادي حتى لا تنافسها، وبعد سنتين من تبعية أوروبا العمياء للدولار الاميركي، فوجيء الجميع بالمارد الأحمر الشيوعي يدق ساعة التنمية والنهضة، وبرزت القوة الروسية الاقتصادية التي جعلت الأميركان يعيدون النظر في ذلك....!

فظهرت على السطح خطة «مارشال» المشهورة وهي باختصار عملية تغيير لقواعد اللعبة؛ بمعنى دعم أوروبا والدول التي تحيط بروسيا!

نادت خطة مارشال بدعم ألمانيا الغربية وإيطاليا صناعيا في أوروبا، وكذلك كوريا واليابان في اسيا!

وبالفعل تم أضعاف القطاعات التصنيعية في روسيا!

وأصبحت روسيا بين فكي أسد وسجينة سوار الصناعات الإقليمية لحصارهم وإذلالهم!

المقصود ان أميركا والغرب لن يرضوا ان تنهض دولنا واكبر دليل على ذلك الحروب الدائرة اليوم في منطقتنا!

لقد قتل الأميركان ملايين البشر باسم الحرية والديمقراطية، وشردوا ملايين اخرين!!

لقد منعوا الشعوب العربية ان تتحرر من الاستبداد والظلم، فها هي تقف بكل وضوح وباسم الديمقراطية الاميركية في خندق واحد مع خيارات اسرائيل وحماة الدولار الاميركي.

ان الموارد الطبيعية التي تملكها دول المنطقة كفيلة بأن تجعلها دولا قوية قادرة على الانتاج والتصنيع والتصدير... فنحن لسنا كالنيجر وإثيوبيا ولا جمهورية الكونغو!

لكن الدول الكبرى المستبدة لا تريد لنا ذلك.

فخطتها دائماً هو ان نبقى مستهلكين ضعفاء نصدر المواد الخام لها ونعيش تحت عباءتها عبيدا أذلاء ولتبقى هي المصنعة والمصدرة بعد ذلك!

من أجل ذلك تسعى دوائر المخابرات الغربية واتباعها الى اثارة النزاعات العرقية والطائفية والثقافية وغيرها في دولنا! لتفتيت اللحمة العامة وتكسير أقدام النهوض للانقضاض على ما تبقى من هويتنا وكرامتنا.

إذن لا يمكن ان يكون الجفاف وقلة سقوط الأمطار هو السبب الوحيد في مجاعات افريقيا والعالم الثالث! فهذا تعليل سطحي ومبرر وهمي لمعضلة عميقة يدركها كل ذي عقل!، ولا يمكن ان يقدم الغرب لنا ما يعيننا على النهوض من تنمية وعدل وحرية ..!

ولم يعد سرا ما تقوم به وكالاتها وأذرعها في المنطقة من سلب خيرات الأمة الطبيعية وتسهيل عملائها ذلك في تلك الدول!

وما لم تصحو مراكز القرار وذوو الرشد السياسي في الأمة فإن سنن الله غالبة في الذين دمروا ديارهم وأنفقوا أموالهم لتكون حسرة عليهم بعدئذ ..

... «ولكل أجل كتاب».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي