مفهوم «التشاركية» يغزو أميركا في عصر ما بعد الرأسمالية (3 من 3)

هكذا أخرجت البطاقة المصرفية والهاتف الذكي الولايات المتحدة من الأزمة المالية!

u062cu0627u064au0645u0633 u0628u0627u0631u0648u062a u0648u062fu064au0633u063au0631u0627u062f u0643u0627u0644u064au0643
جايمس باروت وديسغراد كاليك
تصغير
تكبير
ينظر خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة بكثير من الفخر والاعتزاز إلى النتائج الطيبة، التي سجّلها اقتصاد بلادهم طيلة السنوات القليلة الماضية، وتحديداً بعيد الأزمة المالية العالمية، والتي اندلعت شرارتها للمفارقة في أميركا نفسها مع انهيار امبرطوية «ليمان براذرز» عام 2008.

وما يزيد من منسوب الفخر والاعتزاز لدى هؤلاء، هو تخبط الاقتصادات العالمية وتحديداً الأوروبية (اليورو) في دائرة انكماش وركود، لا تعرف حتى الساعة سبيلاً للخروج منه.


أسباب عديدة كان لها الفضل من وجهة نظر أهل المال والأعمال الأميركيين، في تجاوز تداعيات الأزمة، منها إجراءات وزارة الخزانة السريعة لوقف تدهور في القطاعين العقاري والمصرفي وغيرها، ناهيك عن القوانين التشريعية، وما تلاها من خطوات أقرها «الفيدريرالي» لجهة تدابير التيسير الكمي وخفض الفائدة وما إلى ذلك من وصفات مالية.

بيد أن هناك من يرى أن هذه الخطوات وعلى ضخامتها، لم تكن وحدها صاحبة الفضل في تغلب واشنطن على تداعيات الأزمة، إذ يذهب بعض الخبراء والمحللين، أمثال نائب رئيس معهد السياسة المالية في ولاية نيويورك الدكتور جايمس باروت، حد الجزم بأن «الاقتصاد التشاركي» كان بمثابة «المضاد الحيوي» الذي كافح «المرض» قبيل انتشاره.

يقول باروت إن «الاقتصاد التشاركي» خلق من حيث نعلم أو لا نعلم دورة اقتصادية بينية، ربما تكون غير ملحوظة عن بعد، ولكنها فعلت فعلها، وكان لها التأثير الأكبر في تحريك الدورة الاقتصادية، خلال وبعيد الأزمة المالية العالمية.

يتساءل باروت «كيف تعافى الاقتصاد الأميركي من الركود والانكماش عقب الأزمة المالية العالمية بهذه السرعة، في حين لا تزال اقتصادات دول القارة العجوز غارقة في ثنايا الأزمة حتى أخمص قدميها ؟».

الجواب من وجهة نظر الرجل بسيط للغاية، فهو يعتقد أن الحركية التي خلّفها «الاقتصادي التشاركي» عبر المشاريع الإنتاجية الصغيرة، والتي قد لا يلقي البعض لها بالاً، كتأجير السيارات والمنازل وغيرها (راجع الحلقة الأولى عن الاقتصاد التشاركي - تاريخ 6 أكتوبر الجاري)، كانت كفيلة بإيجاد وخلق مصادر دخل بديلة، إضافة إلى تأمينها فرص عمل، في وقت كان الناس بأمس الحاجة إلى مثل هذه الفرص وهذه الدخول الجديدة.

القصة وفق ما يذهب إليه باروت، لا تنتهي عند فكرة بسيطة، كتأجير منزلك أو سيارتك الخاصة، بل بتعميم نموذج اقتصادي تشاركي جديد، يشمل تفاصيل اقتصادية أوسع وأعمق، حتى صار الآن السمة البارزة للاقتصاد الأميركي بوجه عام.

كاليك

يوافق ديسغراد كاليك، وهو أحد كبار الباحثين في معهد السياسة المالية، الدكتور باروت، تقييمه وتشخيصه لمكمن القوة الناشئ في اقتصاد الولايات المتحدة، أي «الاقتصاد التشاركي»، بل ويزيد عليه أن حال أميركا الاقتصادي أفضل بما لا يقارن مع مختلف الدول الأوروبية، مشيراً في هذا السياق إلى أنه يبدو أن تلك الدول، أدركت ولو متأخرة قيمة «الاقتصاد التشاركي»، لذا بدأنا نلحظ اعتمادها عليها شيئاً فشيئاً، وهو ما يؤكد أنها وجدت فيه الحل الأمثل للخروج من كبواتها المتتالية.

يؤكد كاليك أن الأبحاث والدراسات المعمّقة التي أجراها خبراء الاقتصاد الأميركيين وغيرهم من مختلف البلدان، لم تستطع أن ترصد اختلافاً جوهرياً في بيئة الاقتصادين الأميركي والأوروبي، وهو ما عزّز فرضية نجاح أميركا في تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية بشكل فعّال وسريع من بوابة «الاقتصاد التشاركي» حصراً.

بطاقة مصرفية...وهاتف ذكي فقط

كثيرون في الولايات المتحدة، يرون أن المواطن الأميركي اليوم، هو عبارة عن بطاقة مصرفية، وهاتف ذكي فقط، فالبطاقة المصرفية تعني المال، فيما الهاتف الذكي يعني التكنولوجيا وشبكة الإنترنت والتطبيقات، التي تغزو تفاصيل حياة الأميركي كافة، كبيرها وصغيرها.

يختصر هذا المزيج (المال والتكنولوجيا) حياة المواطن في بلاد العم سام، منذ لحظة استيقاظه من النوم، وحتى عودته مرة أخرى إلى الفراش، فالمواطن الأميركي اليوم يطلب فطوره وقهوته من خلال تطبيق خاص، يقرأ الصحف ويستطلع كافة الأخبار والأنباء من خلال تطبيق خاص، يمارس الرياضة وتمريناته الصباحية من خلال تطبيق خاص، يركن سيارته من خلال تطبيق خاص، يستدين المال من خلال تطبيق خاص، يتعرف إلى أصدقاء جدد من خلال تطبيق خاص، وأيضاً وأيضاً يطور مشاريعه وأعماله من خلال تطبيق خاص.

قد يتساءل البعض، كيف يمكن للمرء أن يكوّن صداقات من خلال تطبيق على الهاتف الذكي؟، في الواقع الأميركي يفعل ذلك من خلال اشتراكه في تطبيقات خاصة لمجموعات خاصة على غرار ما يعرف بـ «MEET UP» وغيرها، فمع تطبيق «MEET UP» يمكنك أن تلتقي بصديق أو مجموعة من الأصدقاء وفق المواصفات التي تطلبها وترغب بها، أي أن يكون هذا الصديق أو هذه المجموعة يشاركونك الاهتمامات والهوايات نفسها، ليصار في ما بعد إلى ترتيب لقاء دوري بينك وبينهم أسبوعياً أو شهرياً أو كما يحلو لك، وكل ذلك مقابل بضعة دولارات تدفعها من خلال التطبيق الذي يتكفل بتزويدك وتذكيرك بكافة المعلومات عن الأشخاص والمواعيد المخصصة لهذا النشاط أو ذاك.

ممارسة الرياضة

في الواقع ان فكرة وتجربة «MEET UP»، غيض من فيض «الاقتصاد التشاركي»، فهناك نماذج مبتكرة أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، ممارسة الرياضة الجماعية مع مدرب محترف من خلال التطبيق، وكيف ذلك؟ يشترك الأميركي في تطبيق خاص، يحدد من خلاله الأيام والساعات والأماكن التي يرغب بممارسة الرياضة فيها، ويتكفّل التطبيق بعد دفع الاشتراك بتذكيره بهذه المواعيد سواء كل أيام الأسبوع أو خمسة أيام أو يوم أو يومين فقط، والساعات سواء في الصباح أو المساء، والمكان أي داخل أروقة النادي الرياضي أو على الكورنيش البحري أو أي مكان آخر يرغب به، وباستطاعته تغيير المجموعة إذا لم يشعر بالراحة معها، أو تغيير المواعيد إذا طرأت عليه ارتباطات أخرى، وكل ذلك مقابل بضعة دولارات. هذه النشاطات البسيطة وغيرها، تساهم دائما في جعلك تدفع المال، كما تساهم في جعلك تتلقى الأموال، فأنت تريد خدمة، ويمكنك في المقابل أن تقدم خدمة يحتاجها الآخرون، أي أن تشارك الآخرين خبراتك ومهاراتك مقابل بدل معين، وتستفيد من خبراتهم ومهاراتهم مقابل بدل معين، وبذلك تتشكل دورة اقتصادية جديدة ومصدر دخل جديد بخلاف الدورة الاقتصادية الأساسية، وعملك ووظيفتك التقليدية، كأستاذ أو مهندس أو نادل وغير ذلك، لتصبح من حيث تعلم أو لا تعلم جزءاً من نموذج اقتصادي يغيّر وجه أميركا اليوم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي