منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي

أهلا بالاختلاف...!

تصغير
تكبير
الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة، من أكبر الحقائق التي نعيشها في حياتنا اليومية، فنحن مختلفون على مقدار ما نحن متفقون. الاتفاق يمنحنا إمكانات هائلة للتعاون والبناء المشترك، والاختلاف مصدر للثراء والتجديد والصقل والإبداع والنمو. بيننا اختلافات نفسية وعاطفية وعقلية، ولكل منا نشأته وثقافته وتجربته ومصالحه وأوضاعه الاجتماعية، وكل هذا يمنح المشروعية للاختلاف في كثير من الأمور.

ما يجعل الاختلاف بل الصراع أحيانا ينشأ بيننا هو أن الناس لا يرون الحقائق القائمة على ما هي عليه بعيون مجردة، بل يرونها من خلال ثقافتهم وفهمهم واهتمامهم، لذا كثير من الخلافات تقع ونحن نجزم ونوقن أنه لا خلاف، ولكن عندما نعرج حيال التفاصيل الدقيقة، سنجد أننا مختلفون، وعلينا بعد ذلك تأطير الخلاف وتمحيصه، لنصل إلى حالة من التعيين والتحديد المتدرج للنزاعات، وبلورة أركان تشتيتها وتجاوزها.


إن القيم والمفاهيم والأفكار التي نرى من خلالها الوجود، تصوغ وتشكل أهم المصادر التي تؤسس للخلاف والاختلاف والصراع، حيث إنها تحرر وجودنا الفكري على نحو متباين، وتمدنا بالمعايير التي تحدد موقفنا من مجمل السلوك البشري. كذلك سوء الفهم وعدم تطابق الذوات والمفاهيم والاحتياجات عوامل أساسية في جعل اجتماع الناس مصدرا للتوتر والاختلاف، وبعض الناس يحملون بين جوانبهم روحاً عدوانية، وكأن الواحد منهم، يبحث دائما عمن يتشاجر معه، وهذا ممن عنده نقص في المرونة الفكرية والنفسية، فإصراره وعناده إلى ما لا نهاية سمة جوهرية في تعامله وعلاقاته مع غيره، ومن الناس من يتنافس من أجل السيطرة، وقبض زمام الأمور، وهذا يؤدي إلى أسوأ أنواع الصراع، وأكثرها وحشية.

رغم كل ما سبق إلا أننا نستطيع أن نؤطر الخلاف، ونجعله موضوعياً ومنتجا ومحدوداً، وذلك من خلال بعض التكتيكات والإجراءات، منها.. التقليل من الآمال التي نعقدها على الآخرين إلى أدنى حد، ونثق بأن الله سبحانه وتعالى هو خير معين، حتى نتجنب الصراع والاختلاف. كثير من الخلافات ينشأ بسبب سوء الفهم، لذا وجب علينا أن نحسّن مهارات الاستماع لدينا، كما نحسّن مهارات الحديث، حتى لا نسيء فهم الآخرين، ولا نتسبب في سوء فهمهم لنا. ولا ندع الآخرين يثيرون غضبنا متى ما أرادوا، ويدخلوننا في العديد من الصراعات والأزمات، وعلينا أن ندرك أن السيطرة على الانفعالات من أهم الأسباب التي تتيح الفرصة للتفاهم وحل المشكلات عن طريق الأخذ والعطاء، والسؤال والإيجاب الهادئ.

ما يثير الخلاف بين الناس، ليس الحق الصريح الأبلج أو الباطل الجلي المحض، وإنما الباطل المتلبس بالحق، والحق المختلط بالباطل، وعندما نتعامل مع خلافاتنا بعقلانية، ونؤمن بأن رؤانا واجتهاداتنا قابلة للنقاش والتفسير المغاير، بالطبع سنكون مستعدين ومهيئين آنذاك للبحث عن طريق نسير فيه معاً نحو الاتفاق والائتلاف.

ونقول لمن زرع بذر الخلاف بين الناس، للسيطرة وقبض لجام أمور وشؤون البلاد والعباد، ومن أجل تحقيق رغبات ذاتية، ومصالح شخصية، تعود بالضرر على الأمة، اجلس مع من اختلفت معهم، واطرح العديد من الأسئلة التوضيحية البعيدة عن روح المواجهة والتحدي، والابتعاد عن التشكيك بالغير، أو التذكير بالأخطاء السابقة، ومن دون هيمنة على الناس، للوصول إلى حل مناسب، يضمن استمرار الارتقاء بتنمية البلاد والعباد التي لطالما أعطت وبذلت من أجل أبنائها.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي