أحيانا يتساءل الإنسان بينه وبين نفسه، هل من الممكن حدوث تغيير في واقعنا المرير من خلال اتخاذ بعض المواقف الشخصية أو المشاركة في بعض الفعاليات الداعية إلى الإصلاح؟
وأحيانا يأتيك بعض الناصحين: هل تريد إصلاح الكون؟ وربما حدثك بعض المشفقين: نحن نخاف عليك الضرر، وهذا زمن لا يرحم.
وأود أن أذكّر كل من يجول بخاطره مثل هذه الأفكار بقصة تلك المرأة السوداء الخيّاطة «روزا لويس باركس» والتي اتخذت موقفا واحدا غيرت من خلاله تاريخ أميركا.
إنها المرأة السوداء التي رفضت عام 1955 أن تقوم من مقعدها في الحافلة من أجل رجل أبيض، وكان القانون العنصري الأميركي يفرض على السود القيام بهذا الفعل.
ماذا حصل بعد تلك الحادثة؟ تم اعتقالها ومحاكمتها وسجنها وتغريمها، ومنها انطلقت شرارة مقاومة التمييز العنصري والتي شارك فيها «مارتن لوثر كنج» وبعد سنوات من المعارضة السلمية وبذل التضحيات تم إصدار قانون الحريات في الولايات المتحدة عام 1964 والذي يحرم التمييز على أساس العرق، لينهي بذلك سنوات طويلة عاشها السود تحت الاستبداد والتمييز العنصري، وليكون من ثمرات ذلك الموقف الشجاع لهذه المرأة وصول أول رئيس أسود إلى سدة الحكم في تاريخ أميركا.
«روزا لويس» حصلت على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996 ثم حصلت على الوسام الذهبي للكونغرس - وهو أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة - عام 1999، ولاتزال الحافلة التي شهدت تلك الحادثة موجودة في متحف «هنري فورد» كرمز لانطلاق ثورة غيرت التاريخ.
نيل الحقوق يحتاج إلى بذل التضحيات، ومن اعتقد أن الحقوق ستصل له على طبق من ذهب فهو واهم، والإنسان مأمور بأن يبذل الأسباب، وألا ييأس وإن طال الطريق.
«نيلسون مانديلا» قام بمحاربة ومقاومة قانون الفصل العنصري الذي صدر في جنوب أفريقيا عام 1948، وتسبب ذلك في الحكم عليه عام 1962 بالسجن مدى الحياة، ولبث في السجن 27 عاما، ثم أُطلق سراحه ليؤسس حزب المؤتمر الوطني، وينزل الانتخابات فيفوز ثم يصبح رئيسا للبلاد عام 1994.
الإخوان في مصر لبثوا في الدعوة إلى الإصلاح أكثر من 80 عاما، تعرضوا خلالها لأشكال متعددة من التعذيب والتنكيل وصل إلى تعليق رقابهم عــــلى المشانق، وعندما حدثت ثـــــورة 25 يناير اختار الناس أحد أعضاء الجماعة وهو الـــدكتور محمد مرسي ليكون أول رئيس شــــــرعي يأتـــــي بانتخـــــابات نــــزيهـــــة.
اليوم في مصر انقلاب عسكري مضى عليه 9 شهور، يريد أن يحطم آمال المصريين في العيش تحت ظل حكم العدالة والمساواة، واستخدم الاعتقال والتعذيب والقتل كوسيلة لتثبيت هذا الانقلاب.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل سينجح الانقلاب؟ أم سيكون الفشل حليفه؟ والإجابة بعد إرادة الله هي في يد الأخوة المصريين.
عندنا في الكويت يحاول البعض التقليل والسخرية من وسائل المعارضة في الإصلاح، فمرة يستهزئ من مقاطعتهم للانتخابات، وتارة يتهكم على المشروع الذي طرحه ائتلاف المعارضة للتعديل على بعض المواد الدســـتورية.
ويقول البعض إن الناس قد تجاوزت المعارضة، فالمجلس قائم والحكومة مستمرة في بيع البلد، وتوزيع الأعطيات على المقربين.
ونقول لهؤلاء إن طريق الإصلاح لا يتم في يوم وليلة، ومقاطعة الانتخابات أثبتت صحتها من خلال انفضاح الأداء الحكومي والذي كان يعلل الإخفاقات السابقة بتعطيل المجالس السابقة للمشاريع الحكومية.
فاليوم الحكومة تملك غالبية في مجلس فصّلته على قياسها، ومع ذلك لا نرى إنجازات وإنما نرى البلاد تتجه نحو منحدر خطير يهدد أمنها واقتصادها.
لذا لا بد من الاستمرار في المطالبة بالإصلاحات وإن طال الطريق، ولا ندري لعل الله يحدث بعد عسر يسرا، فما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال.
Twitter : @abdulaziz2002