منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي

صراع ولكن... !

تصغير
تكبير
نعيش في صراعات متتالية ومتوالية جماعية وفردية، الفرد منا يعيش في صراع داخلي في ما يجول ويصول به في خاطره وذهنه، ومرات عديدة يكون هذا الصراع الداخلي بين ما نريد وبين ما يحكمنا من مبادئ وقناعات وأحكام نؤمن بها وننطلق منها وقد يتصادم الهوى مع المبادئ والقناعات والأحكام، ومن هنا يبدأ الصراع الداخلي إلى أن نرجح كفة دون الأخرى، ومن حكمة الله سبحانه وتعالى في الإنسان أن خلق فيه صفات تبدو في الظاهر متضادة متناقضة، مثل صفة الحب مع البغض، والخوف مع الرجاء، والسلبية مع الإيجابية، وغير ذلك.

وهذه الصفات إذا وظفها الإنسان في مجالها الصحيح فإنه لا يحدث بينها أي تضاد أو صراع، بل يكون بينها من التوافق ما يؤدي إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وإن من أخطر الصفات التي تبدو في الظاهر متضادة متناقضة الصمت والبوح. والسبب الحقيقي لهذا الاختلاف يعود إلى عدم فهم حقيقة النفس البشرية، وأنها لن تسعد وتستقيم إلا بالاهتمام بالجانبين المتضادين معاً، وإعطاء كل واحد منهما غذاءه المناسب له، وهذا ما يقدمه الإسلام للإنسان، فإنه كما يغذي الجانب الروحي، يغذي الجانب المادي، وكما يغذي الصمت في مجاله، هو يغذي البوح في مجاله، وكما يغذي الخوف فهو يغذي الرجاء، ويوفق بينهما توفيقا يؤدي لصلاح الفرد والمجتمع.


إن إحساس الإنسان بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه يدفعه إلى البوح وعدم كتمان الآراء السديدة والأفكار الحكيمة التي تجدد وتُحدث تغييرا في خطى التطور والتطوير في جميع مجالات الحياة، وحتى يستطيع الفرد أن يمارس البوح بكل حرية وانطلاقة لابد من المجتمع أن يرعى ويراعي مصلحة الفرد والسماح له بالتعبير عن آرائه والمشاركة في بناء وتطوير المجتمع، من دون قمع وكبت للحريات من إبداء للآراء بأفكار ومفاهيم غير تقليدية، وممارسة الحريات الشخصية التي لا تتعدى على حريات الآخرين وتساهم في تنمية الفرد والمجتمع والتي تدفع المجتمع برمته إلى الأمام خطوة تلو الأخرى.

وشهدنا عندما انصاع وخضع الفرد للصمت ولم يستطع أن يوازن بينه وبين البوح حصل ما حصل من فساد إداري ومالي، واللوم هنا يقع على الفرد لأنه رضي بعيشة تكتيم وتكميم الأفواه مقابل التمتع بأدنى مرتبة من الحقوق الإنسانية التي تجعله يعيش ويحيا حياة بسيطة ولكنها مقيدة بقيود شعارات تحبيطية لا تحفزية مثل «مالي شغل بغيري»، «خلك بحالك وماعليك من غيرك».

وتأتي هنا الحقيقة التي تفرض نفسها على جميع المسؤولين المتهاونين بحقوق الآخرين، الحقيقة التي عليهم الإيمان والتسليم بها وجعلها دستورا لهم، وهي وإن طال زمان التكتيم والتكميم، حتما ستأتي أجيال تنبذ التراخي والتهاون في الحقوق والواجبات، وتؤمن بالجهر والبوح ومشاركة الفرد بتشكيل منظومة حياة صحية متوازنة لا اختلال ولا اعتلال بها من أجل العيش بكرامة وعدالة، تعينهم على التخلص من صراع المتضادات وموازنة التضاد ليصبح توافقا واتفاقا وانسجاما وتناغما ما بين الأفراد الذين يؤمنون بمسؤولية الفرد في البوح بما يراه ويعايشه من تجاوزات وأخطاء فرضتها بعض البيئات المتراخية والثقافات الخاطئة.

twitter: @mona_alwohaib
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي