قد تجد عالما يحدّث الناس عن عزة النفس، وربما تسمع مفتول العضلات يتكلم عن الشجاعة، ولعلك تقرأ لكاتب يسطر كلمات عن العدالة، وأحيانا تسمع لسياسي ينظّر عن الديموقراطية، لكن كل هؤلاء سيظلون أصحاب ادعاء حتى تُؤكد المواقف ثباتهم وصدقهم.
والثبات على المبدأ له ثمن قد يصل إلى أن يدفع الإنسان فيه حياته، وتاريخنا الإسلامي الماضي والحاضر مليء بأمثال هؤلاء الرجال الأفذاذ.
قرأنا سيرة الإمام أحمد وكيف ثبت في فتنة خلق القرآن وما تعرضه له من سجن وتعذيب، واطلعنا على سيرة الإمام ابن تيمية والذي ظل ثابتا في قول الحق حتى مات في سجنه.
ولو تأملنا تاريخنا الحديث لرأينا كيف دفع الرئيس التركي السابق «مندريس» حياته ثمنا لتحقيق هدفه في عودة تركيا إلى عهدها الإسلامي، وكيف عُلّق «سيد قطب» على أعواد المشانق لأنه رفض أن تخط سبابته كلمة استرحام لطاغية، وها نحن نرى الرئيس الشرعي لمصر «محمد مرسي» كيف يحافظ على مبادئه ولو أدى ذلك إلى قتله، وقد قال كلمته المشهورة: سأحافظ على مكتسبات ثورة 25 يناير ولو كان ثمن ذلك حياتي.
وكم سطّر بعض علمائنا الأفاضل مواقف من نور في قول كلمة الحق ولو كان ثمن ذلك خسائر مالية أو مناصب دنيوية، ولعل من أبرزهم في ذلك الدكتور الفاضل عجيل النشمي حفظه الله.
فالشيخ أبو ياسر معروف لكل منصف بمواقفه في نصرة الحق وأهله، وقول كلمة الحق ولو كانت على خلاف هوى الناس.
فشيخنا الفاضل من أول الذين وقفوا ضد الانقلاب العسكري في مصر، وقال كلمة الشرع وفتواه التي عجز البعض عن ترديدها فضلا عن أن يتبنّاها.
ووقف الدكتور مع حق الشعب السوري في إزاحة نظام البعث السوري المجرم، كما كان للشيخ آراؤه الواضحة في مسألة الحراك السياسي في الكويت. ولذلك كان لا بد أن يدفع الدكتور النشمي ثمنا لهذه المواقف، من ترك بعض المناصب - التي شرّفها الشيخ قبل أن يشرف بها - أو تعرض لهجوم من بعض المفلسين أو الأبواق المأجورة. ولذلك سيظل الشيخ الفاضل عجيل النشمي رمزا للثبات على المبدأ، تفخر به عائلته وتلاميذه ومحبوه، بل تشرف به الكويت كأحد رموزها وعلمائها.
إعدام 529
أصدرت محكمة جنايات المنيا حكما بالإعدام على 529 من معارضي الانقلاب والمتهمين بقتل ضابط ومأمور الشرطة، من بينهم مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع، ورئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور سعد الكتاتني، وكي تعرف نزاهة الحكم وعدله فما عليك إلا أن تتبع الوقائع:
ساعي المحكمة ينادي: محكمة.
القاضي: ما هي طلبات الحاضرين.
المحامون: إثبات المتهمين الحاضرين.
القاضي: مش هاثبتهم، الإثبات مع طلبات المحامين.
المحامون : طب حضرتك مش هتفض الأحراز؟
القاضي: لا مش هافض الأحراز.
المحامون : طيب احنا بنتقدم بطلب رد المحكمة.
القاضي : طلبات المحامين ايه برضو؟
المحامون: رد هيئة المحكمة.
القاضي: كلكم عايزين كدا؟
المحامون : نعم.
وفجأة تتم محاصرة القوات الخاصة لقاعة المحكمة في مشهد مرعب، ثم يقول القاضي : رفعت الجلسة للمداولة. وبعد المداولة لعشر دقائق يخرج القاضي ليقول : تؤجل المحكمة ليوم الاثنين 24 / 3 / 2014 للنطق بالحكم، ثم ترفع الجلسة.
وفي يوم الاثنين يعلن القاضي الحكم، وهو الإعدام بحق 529 متهماً.
لم يتم الاستماع لهيئة الدفاع ما يسقط المحاكمة، لم يتم الاستماع الى المتهمين للدفاع عن أنفسهم!! لم يتم فتح الأحراز! اتهم محمد بديع فقط لأنه مرشد الإخوان، واتهم سعد الكتاتني مع أنه كان معتقلا منذ 7/4 وحادثة قتل الضابط وقعت بعد فض رابعة بتاريخ 15 / 8!!
فأي تسمية تليق بهذه المحاكمة؟
إذا جار الأمير وكاتباه.. وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل.. لقاضي الأرض من قاضي السماء
Twitter :@abdulaziz2002