منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي

تمييع المبادئ...!

تصغير
تكبير
التواصل الكوني التكنولوجي الهائل بين الناس أتاح لهم قدراً كبيراً من التعارف والتقارب، وأعطى فرصا كبيرة لنشوء أفكار وعلوم وسط محاضن قد تزعزع قناعاتهم الراشدة، ومبادئهم الراسخة.

لا يخفى على أحدٍ منا أن رأسمال الإنسان مبادئه التي يعتقد بها، وقناعاته المؤصلة في حاله ومقاله، وهي التي تُشكّل في النهاية رؤيته للحياة، وتبلور ردود أفعاله على الأحداث والمواقف المختلفة التي يتعرض لها، وحين يواجه مشكلة من المشكلات، ويبدأ باستعراض الحلول لها، والهاجس الذي يسيطر عليه ليس الوصول إلى الحل، وإنما الوصول إلى علاج داخل إطار معتقداته ومبادئه، لأن الحلول التي تخرج عن نطاق المبدأ ليست حلولاً، وإنما هي مشكلات جديدة للمشكلة الأم تستوجب حلولاً جديدة.


بعد حصولي على شهادة دبلوم العلوم التطبيقية (تخصص فيزياء)، في عام 1990 وترك مقاعد الدراسة وهجر الحرم التطبيقي، قررت أن أعاود طلب العلم والاستزادة من العلوم الشرعية والحياتية، فالتحقت بأحد مراكز التعليم الديني المسائية، التجربة ممتعة وانجازها طموح يعجز عنه الكثير، ولكن! يؤسفني حقا ما رأيت من تجاوزات من أصحاب اللامبدأ، الذين توجههم المنافع والمصالح والأفكار يمنة ويسرة، بالكويتي... (مع المصلين صلّى ومع المغنين غنىّ)، يعني مع الخيل يا شقرا، نراهم دائما متلجلجين متناقضين، لا جرأة يتحلون بها ولا إقدام على التغيير والتطوير، لا توجد لديهم مبادئ توفر لهم الأرضية الصلبة للحركة، ولا رؤية تمكنهم من الفهم والتفسير لما يحدث من حولهم.

عندما نتحدث أو نكتب عن التجاوزات لا نعني التجاوزات المالية، لارتباط هذا المفهوم بالتجاوز على المال خصوصا العام منه، وإن ما نرمي له هو التجاوزات الإدارية أو الفساد الإداري الذي يتمثل بعدم تطبيق لوائح النظام الداخلية، بل تغييم المبادئ وتمييع القناعات من أولى التجاوزات التي تطرق أبواب الحرم التعليمي، والنتيجة الطبيعية للتغييم والتمييع والتعتيم غياب العدل والمساواة بين الدارسات والمعلمات والإداريات، أصحاب اللامبادئ من الطبيعي أنهم يتساهلون ويتهاونون عن كل تجاوز يمر أمام أعينهم وبحضرتهم وبمباركة منهم، لأنهم افتقدوا للمبادئ والقيم والقناعات التي ترسم لهم الفضاء النظري لتصوراتهم وأفكارهم لتكون مصدرا لتحفيز كل من حولهم على احترام والتزام مبادئ التعليم للمتعلم والمعلم.

لن نفصّل أو نتعمق بالتجاوزات، وقد يقول قائل من أصحاب اللامبدأ هذه الممارسات والسلوكيات طبيعية جداً وتحصل في كل مؤسسات الدولة العام منها والخاص، التعليمي منها والعملي، وكأنها ورث تتورثه الأمة، يكفينا أن نشير للخلل الذي توغل في المؤسسات التعليمية برمتها حتى الديني منها، سأشير بأصابعي على أصحاب اللامبادئ لنكشف الغطاء المزيف الذي يتوارون خلفه، لأنهم ضيعوا مبادئهم فمن الطبيعي لا شيء يرشدهم لصياغة أهدافهم، في الارتقاء بالمنظومة التعليمية، وبترسيخ وتأصيل المبادئ، وتوظيفها في حياتهم أينما كانوا، وحيثما وجدوا، الإشكالية التي يتعرضون لها أصحاب المبادئ أنْ يطلب منهم العيش بازدواجية، وهذا يعني ترك المبادئ عند بوابة المركز أو تجمّيدها وندخل نهرج ونمرج ومن ثم نعود لأخذها في نهاية الدوام المدرسي.

مقالنا لا يهدف إلى تفصيل التجاوزات لأنها معروفة وجلية بل مللنا وسئمنا من تكرارها، أصبحت ظلا لمن لا مبدأ له والكل يراه ولا يخفى منه خافية.

أيها السادة أصحاب اللامبدأ، اسمعوا من أصحاب المبادئ واقرأوا عنهم، فهم حين يأتون لتحقيق ما يطمحون إليه، فإنهم يبحثون عن الأساليب والوسائل المشروعة لذلك، فلا يكذبون، ولا يغشون، ولا يخدعون، ولا يفوّتون الحقوق والواجبات، أو يتنازلون عن كرامتهم في سبيل الوصول إلى ما يريدون. إن مبادئهم تضبط مشاعرهم كما تضبط تطلعاتهم، كما تضبط تحركاتهم وشؤونهم كلها.

همسة في أذن الأبناء... والله نخجل من الأم بأن نخصص يوما واحدا بالسنة لنحتفل بها ونهديها الهدايا والعطايا، فحق الأم أعظم من اختزاله بيوم في السنة، برّها أعظم هدية ويستوجب علينا كل يوم وليلة وليس فقط يوما في السنة.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي