من الثابت أن التقدم الحضاري الذي يشهده العالم اليوم لم يهذّب الطباع على النحو المأمول، ولم يقرب المسافات العقلية والروحية، والنفسية الفاصلة بين الناس، وكثير من الباحثين يرون أن التقدم الحضاري هو تقدم في الطلاء والشكل، أما في الأعماق فإن هناك وحشاً يتربص للفتك والافتراس، والتعانف الذي يقع بين الناس منبعه ذلك التقدم المزيف، ويعود إلى التعصب للرأي والمذهب والاتجاه، لأن العقول لا تتعامل مع القضايا والمشكلات وكل أشكال الموجودات مباشرة، ولكن من خلال تجسيدها في مجموعة من الصور المترابطة والناشئة عن الرموز والمصطلحات والتعريفات والتقسيمات والأحكام ذات الصلة بكل قضية.
ما قدمنا به المقال كان نتيجة وردة فعل طبيعية (لليوتيوب) الذي انتشر بين سكان القرية الصغيرة، تحديداً وصلنا في يوم السبت الموافق 8 مارس، هذا اليوم الذي يحتفل العالم بأسره بالمرأة، كان اليوتيوب لامرأة تحمل بيدها موزة تتحدث في وسط جمهور غفير أمام سفارة دولة قطر في بلدها، وعلى حد قولها إن الموزة ترمز للشيخة الفاضلة موزة بنت ناصر المسند، وتلفظت بألفاظ لا تليق بالشيخة ولا للبلد المنتمية له، وتطالب برحيل السفير القطري من بلادها، لتدخل دولة قطر في شؤون بلادها. بدايةً نقول لتلك المرأة من لا يريد الآخر أياً كان هذا الآخر أن يتدخل في شؤونه لا يطلب المساعدة ولا يرضى بإيداع المساعدات في صندوقه، من يقبل بالمساعدات من الغير لا يطلب من الدول الأخرى الكف عن التدخل بقضايا بلده، فقد قدمت دولة قطر الكثير من المساعدات للدول العربية والخليجية منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، وبلد تلك السيدة التي تحدثت أمام السفارة القطرية من أولى الدول التي تقبل المساعدات من كافة الدول بما فيهم قطر.
إن الأصل في الناس هو الجهل حتى يتعلموا، كما أن الأصل في أنماط تفكيرهم هو الاعوجاج والفجاجة وقلت النضج، إلى أن يدرّبوا أنفسهم على التفكير القويم، لذا نحن لا نعتب على المرأة المتحدثة بمقطع اليوتيوب، ولا نلومها عندما حملت موزة ترمز بها للشيخة الفاضلة وتوصل رسالة تقصد بها مغادرة السفير القطري من بلدها على حد قولها، لأن الجهل هو أصلا متأصل فيها وفي نمط تفكيرها، فضلا عن التعصب الذي يسري بعروقها، لو كانت تملك قليلا من العلم لما عنفت الشيخة موزة بكلماتها السفيهة، كان يجب عليها أن توجه خطابها ومطالبها لنظامها الذي يحكمها، وتنتقد ممارساته التي يبطش بها وبشعبها، وليس لأفراد وأشخاص قدموا الكثير من المساعدات، بل شخصنت قضية بلدها واختزلتها بإطلاق كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع تظن أنها علاج لمشكلات بلادها.
* * * *
في يوم السبت الموافق اليوم العالمي للمرأة، كنا نلبي دعوة الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، حيث أقامت أمسية حوارية بعنوان «قانون الإسكان للمرأة بين الطموح والواقع»، وشاركنا في الحوار وكان مبتدأه بأن المرأة لا تستحق أن يحتفى ويحتفل بها يوما واحدا في السنة بل تستحق الإشادة بانجازاتها والاحتفال بنضالها لاستكمال حقوقها المنقوصة، واسترجاع المسلوب منها، كل يوم وليلة.
نحن لا نطالب بالمساواة على اطلاقها، فالمساواة المطلقة ظلما للمرأة، إن خصائصها النفسية وطبيعتها الجسدية تفرض علينا المساواة المقيدة والمضبوطة بضوابط الشرع وضوابط سيكيولوجية المرأة، أما عن حقها بالإسكان يؤسفنا بأن قانون الإسكان مرر في عهد النائبات الأربع وفيه تمييز واضح وجليّ بين المرأة الكويتية المتزوجة من كويتي والمرأة الكويتية المتزوجة من غير الكويتي، وبين المرأة الكويتية والرجل الكويتي، لابد من تعديله بما يضمن العدل بين الكويتيين من الجنسين ولجميع الفئات، ولا ينتقص من حقوق فئة أو جنس على حساب الآخر.
ختاماً... من هذه الزاوية نبعث تحية إجلال وتقدير للشيخة موزة، التي ستبقى رمزا من رموز العطاء لكل البلاد الإسلامية العربية والخليجية منها، من تلفظت بالكلمات غير اللائقة ووجهتها لموزة قطر فهي لا تعترف بجهلها في إدارة العنف الكامن والظاهر عليها، بل هو اعتراف منها بالعجز عن محوه والقضاء عليه، أو حتى السعي إلى التخفيف منه قدر الإمكان وإبقائه تحت السيطرة.
نحن نرفض ونناهض العنف بأشكاله وأنواعه ضد المرأة، وتأتي هذه المرأة لتعنف الشيخة الفاضلة بألفاظ وكلمات ترددها مع من حولها وهم لا يفقهون من التقدم والارتقاء إلا قشوره.
هكذا هم الغالبية العظمى من أبناء الخليج العربي يقابلون الإساءة بالإحسان، ويترفعون عن سفاسف الأمور، ويرتقون بأنفسهم عن جهّال الناس.
«على فكرة... لا نعرف الشيخة موزة شخصيا، كل ما نعرفه انجازاتها التي نستقيها من وسائل الإعلام، ولم نلتقِ بها يوما ما».
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]