منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي

الوحدة الأميّة...!

تصغير
تكبير
شخصية الإنسان مكونة من جوانب عديدة، وأهم ما يحتاجه الاتزان والموازنة الدقيقة بين الجانب العاطفي والجانب العقلي. مهمة الجانب العاطفي أن يجعل الإنسان في حالة من التوتر الإيجابي الحيوي الضروري للعمل والعطاء، وجعله يتواصل مع مجتمعه بعلاقات حميمة، ويحس بآلام الآخرين، والأضرار التي تنزل بمن حوله. أما الجانب العقلي فمجاله استخلاص العبر من الماضي ووعي الحاضر والتخطيط للمستقبل.

والناظر في أحوال العالم الخليجي العربي سيجد في الغالب أن الجانب العاطفي متطرف متجرد من الموضوعية والحيادية، لا يمتلك إرادة حرة تمكنه من التمييز بين ما هو واقع وبين ما هو تزوير وتزييف للواقع، وبين ما هو حقيقة وصواب وبين ما هو باطل وخطأ، فكل كذبة تنطلي عليه، وكل إشاعة تفقده التوازن بين الجانب العاطفي والجانب العقلي مما يضعف وظائفهما ودرجة تحسسهما للواقع والتعامل معه باعتدال واتزان لبناء رأي عام يمكّنه من إصدار الأحكام، ولن يتمكن من تفسير وتحليل واقع الظروف التي تعصف بالمجتمعات الخليجية إلا إذا اتصف بسمات الاستقلالية والحرية وحضور العقل النقدي والنمو والتدفق وتجاوز سجن ذاته المعزولة، وإلا سنجد أنفسنا أمام فرد خليجي بدائي في فكره ومشاعره وتطلعاته، سطحيّ في تفكيره وأفكاره، مستنزف لأقواله وأفعاله وتحركاته، متناقض بمشاعره، يندفع خلف التيار المخالف حتى وإن كان ابتزازا لعقله.


وكانت المحصلات النهائية للأحداث الأخيرة، بأنها كشفت وعرّت الأميّة في الوحدة الخليجية، وأن المواطن الخليجي يعيش مشكلاته وخصوصا المشتركة منها على هامش طريق الانفعال والتطرف الشعوري العاطفي، لا عن طريق التفكير والتدبر العقلي، مما أدى إلى انحسار مجاله الحيوي وفقد السيطرة على الواقع، والتلقي الفاتر لكل ما يحدث، حيث لا شيء يهمه، وأصبح نقل الإشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها هو الأهم، دون اهتمام أو اكتراث بالشأن الخليجي وما قد يلحقه من توتر العلاقات التي تضغف كيان الشعوب الخليجية وتجعلها عاجزة وقاصرة وتشعرها بالعزلة والحدودية. اجزم بأن كل من خاض ولاك بسفاهة ودونية في حدث سحب السفراء الخليجية من دولة قطر الخليجية، لا يمتلك زمام المبادرة للبحث عن الأسباب التي أدت إلى التوتر وشحن الأجواء، ولا يمتلك المقدرة التي تجعله صلبا في مواجهة المشكلات الأساسية والمشاركة في صناعة الآليات العلاجية، والحلول المقننة المتقنة، خصوصا في ما يخص العلاقات التبادلية بين أبناء دول الخليج العربي مع اختلاف العوامل التي لها تأثير على حياتهم من المثيرات الخارجية، والتي قد تشعرهم بالحيرة والقصور خوفا على كينونة ذواتهم ومصير أسرهم وأقربائهم.

نحن هنا لسنا بصدد تحليل الحدث أو عرض وجهات النظر التي قد تؤدي إلى تمييع النتائج وتُصّعب علينا بلورة الرؤية الشاملة لطبيعة الأحداث في حين أننا بأمسّ الحاجة لهندسة علاقاتنا مع بعضنا وانتشال وحدتنا من أميّتها، بل هي دعوة للمواطن الخليجي بأن يتجاوز السطح والقشرة الخارجية في النظر والتحليل وإصدار الأحكام وبناء الآراء، ويرتقي بوحدتنا الخليجية الأميّة لتصبح مثقفة قادرة على التأريخ بشكل مفصل لحيثيات الخلل الذي أصاب المواطن الخليجي، في ظل التغيرات المتعاقبة، ويترك بصمات الصلاح والإصلاح والوحدة والتماسك على كل جوانب الحياة المشتركة، وتجسيدها بمُثل وقيم وأخلاقيات للأجيال القادمة، وحتى لا نورث لهم وحدة أميّة لا تفقه ولا تعلم من الوحدة الخليجية إلا كلمات تُردد وشعارات تُرفع.


[email protected]
twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي