| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
قالوا بالأمثال لا نعرف فضل الماء إلا بعد اشتداد الظمأ، ونقول... لا نعرف مدى حاجتنا للعلاقات الاجتماعية إلا بعد أن تصبح مصدرا من مصادر السعادة الإنسانية، لأنها تُشبع العديد من الحاجات العاطفية والنفسية لدى الإنسان، وتقوم في تدعيم كيانه المعنوي وإشباع حاجاته ورغباته، كلنا نعلم أن العلاقات الاجتماعية لا تخلو من التسبب في بعض المتاعب إلا أن لدى الإنسان القدرة على جعل المشاعر الإيجابية مستقلة تماماً عن المشاعر السلبية، حتى لا تسبب هذه المتاعب شحناء وبغضاء بيننا وبين من نحترم ونحب، ولتجنب هذه المتاعب وفهم مسيرتنا الاجتماعية فهما عميقا يمكن للمرء أن يقيم علاقاته الاجتماعية على أساس عقلاني ووفق حقوق التبادل الاجتماعي، كما يمكن أن يقيمها على معطيات المشاعر، وبما أننا نعيش في عالم يتغير فيه كل شيء بسرعة كبيرة، فإننا نتوقع أن يتغير الكثير من المفاهيم التي تبتر وتستأصل المعاني على تصرفاتنا الاجتماعية، وهذا يلزمنا بالمزيد من العمق في فهم مسيرتنا الاجتماعية، والمزيد من الحذر والاهتمام في رعايتها.
ومهما كانت علاقتنا بطرف ما عقلانية ومصلحية ومقنّنة فإننا لا نستطيع أن نعزلها عن تأثير العواطف والانفعالات، ومهما كانت علاقتنا بطرف ما عاطفية وشفافة ومجردة، فإن استمرارها سيظل مرتبطاً بمعطيات عقلية وأحيانا مصلحية. أي إن علاقاتنا بأطراف أخرى إما أن تكون علاقة عقلانية ومصلحية ومقننة، أو تكون علاقة عاطفية وشفافة ومجردة، وفي تلك العلاقتين لا نستطيع فصل العلاقة العقلانية عن تأثير العواطف والانفعالات، ولا العلاقة العاطفية فإن استمرارها مشروط ومرتبط بمعطيات عقلية وأحياناً مصلحية.
إن الارتباط الشديد والوثيق بين النسيج العقلي والنسيج العاطفي، سيجعل أي محاولة للفصل بينهما تبوء بالإخفاق والفشل التام. وحين نقيم العلاقات التي تقوم على الحب والإعجاب والحماسة الزائدة، قد تحمل الإنسان على أن يضحي بتضحيات كثيرة في سبيل من يحبه، وقد تحمله على المبالغة والمغالاة والكذب، ومخالفة ومنافية النظم والقوانين من أجله، وقد تحمله على أن يهمل علاقاته الاجتماعية الأخرى، في المقابل فإن العلاقات التي تقوم على أساس التعاقد والحقوق والواجبات، والقيام بخطوة أمام كل خطوة، ولفتة إزاء لفتة، تظل علاقات سطحية وباردة، وفي أحيان كثيرة موقتة.
إن ضعف العاطفة في بعض العلاقات الاجتماعية لا يسمح بالاندماج الذهني الشعوري بين أصحاب تلك العلاقات، كما لا يسمح بملامسة آفاق الخبرة التراكمية الإنسانية ذات الأهمية لكل طرف من أطرافها. كما أننا لا نستبعد أن تؤثر هذه العلاقات في نوعية أحكامنا العقلية، فنكون غير موضوعيين وحياديين أو نخضع للهوى والمبتغى أو المصلحة، وقد نفقد الاتزان بين العقل والعاطفة، لذا فلابد من الاعتدال والاتزان على نحو دائم ونتبع القاعدة الشرعية كما وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما».
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]