وثيقة وتاريخ

أسرة العبدالجليل... وجاهة سياسية وعراقة اقتصادية

تصغير
تكبير
أسرة العبدالجليل من أولى الأسر التي سكنت الكويت، وقد شاركت في كل باب من أبواب بناء الكويت. ففي العلم كان منهم ثاني قاض في الكويت، وفي السياسة** تولوا مناصب سياسية، واعتمد عليهم حكام الكويت في بناء الدولة منذ نشأتها، وفي الاقتصاد طافت مراكبهم التجارية أنحاء الخليج والهند وأفريقيا رافعة علم الكويت، معرّفة بدور الأسرة الكريم.

ونظراً لقرب رموز هذه الأسرة من حكام الكويت، فقد حفظت لنا الوثائق جوانب تاريخية مهمة من مسيرة هذه الأسرة، وكان من بينها هذه الوثيقة النادرة، والتي هي محور هذه الزاوية الأسبوعية.

موضوع الوثيقة، إذن بحمل تمر من مزارع البصرة المملوكة للشيخ مبارك الصباح، وهي بتاريخ 17 ذو القعدة 1332هـ، ونوعها «وثيقة رسمية».



نص الوثيقة :

(1100 مَن تمر ساير - ألف ومئة مَن تمر ساير لا غيرها)

من مبارك الصباح إلى محمد بن يوسف الخميس وحجي عبدالرحيم الراشد - سلمهم الله تعالى-.

بعد السلام عليكم ورحمة الله، بعده:

ادفعوا إلى محمد بن علي داد الله منطرف (1) دواد بن سليمان العبدالجليل كما هو مرقوم أعلاه فقط ألف ومئة مَن تمر ساير، وبعد الدفع اخذوا (2) الورقة مظهره بالوصول، واحفضوها (3) لوقت الحساب، والسلام. (17 ذو القعدة 1332هـ).

مبارك الصباح

وصل من الورقة ثمانمئة من واحد وعشرين مَن تمر ساير « 3 محرم 1333هـ

محمد بن علي داد الله

1 - منطرف: من طرف.

2 - واحفضوها: واحفظوها، والضاد والظاء قد يتعاقبان أحياناً.

قال الفراء: قال ابن الأعرابي: الضاد والظاء قد يتعاقبان، وأنشد قول الشاعر:

إلى الله أشكو من خليل أوده **** ثلاث خلال كلهن لي غائظ

ويروى: غائض.



دراسة الوثيقة: تجارة التمور من الكويت للهند مروراً بالبصرة

هذه الوثيقة تحكي جانباً مما كانت تعيشه الكويت والبلاد المحيطة بها قبل قرن، فهذه الوثيقة رسالة موجهة من حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح - رحمه الله - لبعض وكلائه في مزارعه في البصرة والفاو لصرف حمولة من التمر للاتجار بها وبيعها في الهند وغيرها من البلاد التي كان يرحل إليها تجار الكويت.

فقد كان المركب الخاص بنقل هذه الحملة وهو من نوع (بغلة) التي تجهز ما يقرب من شهر، ثم ينطلقون بها إلى البصرة مروراً بجزيرة فيلكا التي يأخذون منها سمكاً مملحاً يسمى (الطريح)، فإذا وصلوا البصرة مكثوا فيها ما بين أسبوع إلى شهر يساومون أصحاب المزارع، فإذا حملوا ما أرادوا من تمر البصرة دفعوا مثل الضريبة التي تؤخذ مقابل رسو المراكب ـ وتسمى (مطرحانية).

وتتوجه بعد ذلك السفن من شط العرب بعد شحنها بالتمور إلى سواحل الهند الغربية، وتستغرق الرحلة ما بين عشرة إلى خمسة عشر يوماً للوصول إلى كراتشي المحطة الأولى في الهند، يليها محطة خورميان، وعادة ما يتم تسليم التمور إلى وكيل التاجر الكويتي في كل ميناء من موانئ الهند، ويوجد عدد من التجار الكويتيين المعتمدين في الهند في هذه الموانئ، حيث يدير كل منهم مكتباً تجارياً لشراء وتوزيع التمور والإشراف على تصدير البضائع الأخرى إلى الكويت وغيرها من البلدان، بل وما بين الموانئ الهندية أيضاً بجانب قيامهم بالإشراف على عملية توزيع وبيع التمور التابعة للتجار الكويتيين إلى التجار المحليين المختصين في تصريف البضائع، وأهل الهند يشترون التمر للأكل أو لاستخدامه في الأصباغ أو غير ذلك من الاستخدامات، ومنهم من يكمل مسيره باتجاه زنجبار وسواحل أفريقيا.



والمستفاد من هذه الوثيقة

ما يأتي:

تاريخ عريق للسفن الشراعية الكويتية

- موقع الكويت الممتاز على الخليج العربي من جهة وعلى الجون المتفرّع منه من جهة أخرى أضفى على البلاد أهمية كبرى وأتاح لأهلها استغلال موقعها استغلالاً جيداً عاد بالنفع على الجميع بما في ذلك البلدان المجاورة التي كان ميناء الكويت يمدها لفترة طويلة بكافة ما تحتاج إليه من سلع، بل وكان عدد من الراغبين في العمل من أبناء تلك البلدان يجدون فيها فرصة عظيمة لكسب الرزق سواء أكان ذلك في دخول البحر على السفن الكويتية للعمل مع العاملين عليها من الكويتيين أو القيام بأعمال أخرى لها علاقة بالنشاط البحري بصفة عامة.

وكان النشاط البحري قوياً في الكويت منذ حلّ بها الرجال الأوائل، واكتشفوا أن مصدر رزقهم سوف يكون عن طريق هذا البحر الممتد أمامهم.

وفي سنة 1839م كانت تمتلك أسطولاً بحرياً كبيراً ومجهزاً تجهيزاً طبياً، وكان يتولى نقل البضائع إلى عدد من الموانئ ذكر منها ميناء الحديدة اليمني الذي استقبل في شهر نوفمبر من السنة المذكورة سفينة كويتية حملت منه بضاعة اتجهت بها إلى القطيف.

ومن واقع هذه الحادثة يتبيّن لنا أن السفن الشراعية الكويتية ربما كانت تقوم بمهماتها قبل هذا التاريخ بفترة طويلة، إذ لا يمكن أن تصل إلى المستوى الذي ذكر في المعلومات السابقة من دون أن يكون الأسطول الكويتي قد تدرج إلى مستواه هذا منذ بداية أقدم من سنة 1839م.

ومن أقدم من تحدث عن الميناء البحري الكويتي رحالة عربي اسمه مرتضى بن علوان، زار الكويت في سنة 1709م، وهو في طريق عودته من الحج، واتجه منها إلى وطنه سورية عبر العراق، وفي حديث يقول: «والمينة (يقصد الميناء) على حدود البلدة من غير فاصلة، وهذه البلدة يأتيها ساير الحبوب من البحر؛ حنطة وغيرها».



ملك التمور الكويتي!

- عناية أهل الكويت بتجارة التمور، فقد كان الكويتيون ومنهم حكامهم يملكون مزارع للتمور في البصرة والفاو في جنوب العراق، ومن بلغت شهرته في ذلك الآفاق، فحمد عبدالله الصقر - رحمه الله - كانت له تجارة واسعة في التمور، ولذا لقب بملك التمور.

وقد تميزت السفن الكويتية بتجارة التمور، وعرف بذلك بعض تجار الكويتية، فقد قال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت»: كانت الكويت في بادئ أمرها- إلى أن أخذت البواخر تمر بها - معظم تجارتها تأتي في السفن الشراعية، وفيها تجار يجلبون البضائع من الهند والمليبار واليمن وزنجبار، وأشهر تاجر منهم يوسف الصقر وسليمان بن عبدالجليل وصقر وحمد آل عبدالله الصقر، فهؤلاء ملكوا ثروات طائلة من التجارة، وكانت لهم سفن خاصة.



ما هو تمر ساير المذكور

في الوثيقة؟

وأما التمر المذكور في هذه الوثيقة، فهو تمر ساير من التمر المعروف بالبصرة، وهي من التمور نصف الجافة والمعروفة بحلاوتها وطيب طعمها، وشهرتها التجارية القديمة.

والمَن: وحدة وزن تساوي مئة رطل.



العبدالجليل وتاريخ مشرق

في سفن السفّارة

- الوثيقة بيان منزلة أسرة العبدالجليل، فداود بن سليمان العبدالجليل من نواخذة الكويت المشهورين، والمتخصصين بالمراكب السفّارة والتي تصل الهند وسواحل أفريقيا.

- وأسرة العبدالجليل من الأسر التي استوطنت الكويت قديماً، فقد قدمت الكويت سنة 1680م تقريباً في منطقة بهيتة القديمة، وكان منزلهم شرق البنك المركزي الحالي، والذي كان من أكبر بيوت الكويت في المساحة.

وفي نهاية القرن التاسع عشر انتقل جزء من الأسرة إلى في حي (فريج) في منطقة القبلة (جبلة)، وسكن جزء منهم منطقة اليسرة مقابل مجلس الأمة.



ثاني قاض في تاريخ الكويت

وجد الأسرة هو الشيخ أحمد بن عبدالله آل عبدالجليل يعد ثاني قضاة الكويت، قد تولى القضاء سنة 1722م بعد الشيخ محمد بن فيروز، واستمر قاضياً إلى سنة 1752م. وقد أسس الشيخ أحمد العبدالجليل مسجد العبدالجليل سنة 1730م، وكان المسجد يقع شمال البنك المركزي على البحر، ونقل منتصف الستينات إلى منطقة الفيحاء مقابل الدائري الثالث.

واشتهرت أسرة العبدالجليل منذ القدم بالتجارة والسفن الشراعية السفّارة حيث كانت نقعتهم الأولى تقع مقابل الفرضة، وكان تأسيسها سنة 1750م.

ولما نمت تجارة الأسرة انتقلوا إلى نقعتهم الثانية سنة 1865م تقريباً في منطقة اليسرة، وكان نقعتهم تسمى (سحيلة).

وامتلكت أسرة العبدالجليل أسطولاً ضخماً من السفن الشراعية السفّارة، والتي مكنتهم من فتح مكاتب تجارية عديدة في بومبي والزنجبار وعدن والبصرة وغيرها.



المدير... من هو؟

ولم لقب بهذا اللقب؟!

ومن أعيان العبدالجليل عبداللطيف بن عيسى العبدالجليل، والذي كان أول مدير للجمرك البحري في زمن الشيخ مبارك الصباح منذ سنة 1902 م، وحتى سنة 1923 م، وعاصر بذلك أربعة حكام وهم الشيخ مبارك والشيخ جابر والشيخ سالم والشيخ أحمد الجابر.

وحاز عبداللطيف العبدالجليل على لقب خان بهادر من امبراطور الهند سنة 1929م تقديراً لجهوده، وأقام في السعودية عشر سنين بدعوة من الملك عبدالعزيز لتنظيم الجمارك.

وكان صاحب بذل وعطاء في وطنه، فقد تبرع بقطعة من الأرض حين تقرر بناء المستشفى الأمريكي في الكويت الذي تم افتتاحه في سنة 1912م، ولدى أسرته - إلى اليوم - وثيقة شكر من المستشفى، لهذا التبرع السَّخي.



عميد أسرة العبدالجليل

وجاهة سياسية واجتماعية

وعميد الأسرة اليوم هو العم أحمد العبداللطيف العبدالجليل، والذي كان عضواً لمجلس الأمة الكويتي لدورتين.

وتقديراً لشخصيات هذه الأسرة، فقد أطلقت الحكومة الكويتية شارعاً في منطقة الروضة باسم عيسى عبداللطيف العبدالجليل المدير السابق للبلدية، وأول سفير للكويت لدى المملكة العربية السعودية بعد الاستقلال.

وممن ينتسب لهذه الأسرة الأستاذ الفاضل والصديق العزيز سخي النفس والعلم فهد غازي العبدالجليل، والذي يعد من الباحثين الكويتيين المتميزين في الوثائق والمخطوطات، أسأل الله أن يبارك فيه وفي أسرته الصغرى والكبرى.

وقد برز من الأسرة نواخذة وتجار وشخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية يضيق المقام عن حصرها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي