| عبدالعزيز صباح الفضلي |
مندريس هو رئيس وزراء سابق لتركيا من سنة 1950 إلى 1960 حيث تم إعدامه، ولقد قرأت تقريرا تضمن توضيحا لحياته السياسية وكان مما جاء فيه أن مندريس دخل الانتخابات مرشحاً للحزب الديموقراطي سنة 1950 ببرنامج توقعت كل الدراسات الأميركية له الفشل المطلق، إذ كان برنامجه لا يتضمن أكثر من: عودة الأذان باللغة العربية، والسماح للأتراك بالحج، وإعادة تدريس الدين بالمدارس.
وكانت النتيجة بخلاف التوقعات، إذ فاز الحزب الديموقراطي بـ 318 مقعداً، بينما لم يحصل حزب أتاتورك إلا على اثنين وثلاثين مقعداً فقط. وتسلم مندريس مقاليد الحكم رئيساً للوزراء، وشرع بتنفيذ وعوده التي أعلن عنها للشعب أثناء العملية الانتخابية.
واستجاب مندريس لمطالب الشعب فعقد أول جلسة لمجلس الوزراء في غرة رمضان، وقدم للشعب هدية الشهر: وهي الأذان بالعربية،وحرية تدريس الدين، والبدء بتعمير المساجد. ثم جاءت انتخابات عام (1954) وقلّ عدد نواب حزب أتاتورك إلى (24) نائباً، واستكمل مندريس المسيرة، فسمح بتعليم اللغة العربية،وقراءة القرآن الكريم وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية، وأنشأ (10 آلاف) مسجد، وفتح (25 ألف) مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وأنشأ (22) معهداً في الأناضول لتخريج الوعاظ والخطباء وأساتذة الدين، وأخلى المساجد التي كانت الحكومة السابقة تستعملها مخازن للحبوب وأعادها لتكون أماكن للعبادة.
وتقارب مندريس مع العرب ضد إسرائيل، وفرض الرقابة على الأدوية والبضائع التي تصنع في إسرائيل، وطرد السفير الإسرائيلي سنة (1956) وعندها تحرك الجيش حامي العلمانية ضده، فقام بالانقلاب العسكري سنة (1969) والذي قاده الجنرال (جمال جو رسل) وأيدته القوى المعادية للإسلام وهي الغرب واسرائيل وكان من نتائجه شنق عدنان مندريس.انتهى
ذكر لي أحد الأصدقاء نقلا عن أحد الديبلوماسيين ممن عاصر تلك الفترة حادثة يتذكرها وكأنها وقعت بالأمس: أن في احدى جولات مندريس الجماهيرية تقدم منه مواطن فسحبه من ربطة العنق بقوة وبشكل عدواني وامام الناس والاعلام فقال له مندريس لماذا فعلت هذا؟ وما تريد؟ فخاطبه المعتدي بالقول نريد الديموقراطية فكان جواب مندريس وبكل هدوء: إذاً ماذا تسمي هذه الواقعة أليست ديموقراطية؟
لقد عانت تركيا الويلات تحت حكم العسكر فمن كبت للحريات إلى التضييق على ممارسة الشعائر الدينية ومنع ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة والمدارس، ناهيك عن الفساد المالي والإداري ونهب خيرات تركيا لتصب في جيوب العسكر والموالين له من السياسيين. ولم تفق تركيا من تخلفها وتأخرها إلا بعد تولي رئيس حزب العدالة والتنمية السيد رجب طيب أردوغان رئاسة الحكومة عام 2003، حيث نهض بالبلد اقتصاديا فقلل من العجز في الميزانية، وقضى بصورة كبيرة على مشكلة البطالة وارتفع دخل الفرد في تركيا، حتى أصبحت تركيا في مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا، كما أعاد للشعب الكثير من الحريات التي حرم منها خصوصا ما يتعلق بممارسة الشعائر الدينية، ولعل من آخرها الهدية التي قدمها في اعلانه الأخير للاصلاحات وهو السماح بارتداء الحجاب في المؤسسات العامة.
هذا السرد لبعض تاريخ تركيا إنما هو رسالة لأشقائنا في مصر، وهي رسالة للشعب خاصة، لقد جربتهم الحرية لمدة عام خلال حكم الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، ثم جاء الانقلاب العسكري مببرات الانقلاب التركي نفسها وهو التقارب مع الدول العربية والاسلامية وحركات التحرر في العالم الإسلامي والمعاداة لاسرائيل. فهل ستقبلون البقاء تحت حكم الجيش وقد جربتم ويلاته منذ انقلابه المشؤوم في 3 يوليو من قتل واعتقالات وتكميم للأفواه لكل معارض للانقلاب وتدهور في الوضع الاقتصادي وتمزق بين فئات المجتمع وطوائفه؟ أم ستستفيدون من التجربة التركية وتختصرون الزمن وترفضون الانقلاب ولا تمكنون له، حتى يعود لكم رئيسكم ومجلسكم الذي انتخبتموه، ودستوركم الذي قمت بالتصويت عليه؟
twitter :@abdulaziz2002