| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
حين تُستقطب آراء الناس ومشاعرهم واهتماماتهم حول المُثل والمبادئ، والقضايا التي يرى المصلحون والمثقفون والمفكرون ضرورة بقائها محاور لحياة أفراد الأمة في كل حال من الأحوال، فاعلم أن العمل الإصلاحي يسير نحو مساره وهدفه الصحيح، الذي يساعد في صنع وتشكيل الرأي العام.
إن للرأي العام أهمية بالغة بعد أن أصبح له تأثير في توجيه السياسة وصياغة مواقف القادة، ومن أراد أن يكسب جمهور الناس سواء من القادة أو الأنظمة، فعليه ألا يتجاهل آراء وتطلعات المواطنين في المجالات المختلفة.
إن الرأي العام هو الفكرة الشائعة والسائدة بين جمهور الناس إزاء موقف أو قرار أو مسألة أو قضية، وهو النتيجة الأخيرة التي تتولد عن تضارب الآراء عند الناس التي يسمعونها حول قضية ما، وعندما تختلط الآراء المسموعة مع المعتقدات والمشاعر والأفكار والخلفيات المسبقة والمصالح والمنافع بطريقة لا شعورية في كثير من الأحيان، ينتج عنها التضارب والتصادم الذي يؤدي إلى تمازج يبرز القاسم المشترك، والذي يُعد زبدة وخلاصة دقيقة موزونة لذلك الخليط الذي يُشكل الرأي العام.
إن ما يميز الرأي العام بأنه ذو ثبات نسبي، إذا ما قارناه بالثقافة والرأي الشخصي، فالثقافة أكثر ثباتا من الرأي العام، والرأي العام أكثر ثباتا من الرأي الشخصي. لذا نجد موقعه يكون في العادة تجاه قضايا معاصرة ومؤقتة، ويتمحور في كل مدة زمنية ليست طويلة حول قضية من القضايا، أما الثقافة فتأخذ صيغة وهيئة الأسس والمرتكزات والعادات التي تدوم لفترات طويلة.
هنا يأتي سؤال يتبادر على أذهان أفراد الأمة، بعد ما تعاظمت النكبات، وتجاسرت الأزمات، وتجاوزت كل الخطوط المحظورة، إلى أن وصلت إلى ذبح وقتل كل معاني الإنسانية، التي رسخت وأصلّت منذ بدء البشرية، كيف نُشّكل ونصوغ رأياً عاماً تجاه القضايا التي تجتاح الأمة العربية والإسلامية؟!
الرأي العام لا يمكن تشكيله حول قضية أو مسألة إلا أن يكون المجتمع منفتحا على بعضه بعضا واعيا بذاته، واضعا قضاياه ومشكلاته تحت المجهر، حيث ذلك يولد الحركة الاجتماعية النشطة، ومنها يوجد للناس اهتمام بكل ما يمس حياتهم ومصيرهم، أما حين يكون المجتمع فاقداً للحس الجماعي، خاملاً في تمازجه الثقافي، مشغولا كل فرد من أفراده بشؤونه الخاصة، فإن تكوين الرأي العام آنذاك غالبا ما يكون صعبا وعسيرا، فلابد من الانفتاح على المجتمعات العربية الإسلامية ووضع قضاياهم تحت الآلة البصرية، لننعش الحس الجماعي الذي يمكننا من تشكيل رأي عام يزيل الاستبهام والغموض الذي تعيشه الأمة.
علنا لا نغفل عن بعض العوامل المؤثرة في بناء الرأي العام، لطالما نعيش بمجتمع واحد فهذا يعني أن اهتماماتنا ومشكلاتنا واحدة أو متقاربة، وهذا يستلزم وجود لغة مشتركة وعقلية مشتركة وعواطف مشتركة، يسهم جميعا في بلورة مواقف مشتركة من القضايا والمشكلات المطروحة على الساحة الوطنية بوجه خاص والعالمية بوجه عام.
لابد أن نعترف في نهاية المطاف، أن تحسسنا لأهمية الرأي العام الدولي والمحلي مازال ضعيفا، وذلك لعدم اكتمال النضج تجاه التركيبة الاجتماعية والثقافية، والأصول والقواعد التي تتحكم إلى حد بعيد في نوعية الرأي الذي سوف نتبناه حول القضايا المصيرية، وينقصنا الإدراك بسيكولوجية الرأي العام الذي يُعد الركيزة التي تستند إليها الأنظمة والقوانين، فلنجهد بتقوية جرس وحس أهمية الرأي العام لنكون على علم ودراية بالقضايا المصيرية التي تخصنا، وحتى لا نستغل أبشع استغلال من وسائل الإعلام التي تدغدغ العواطف، وتوافق الأهواء.
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]