منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / عربية الروح ... إسلامية العقل!

تصغير
تكبير
| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |

يقال إن أعز أصدقاء المرء ذكاؤه وكرامته، وأعدى أعدائه شهواته ومطامعه، وإننا لنرى كثيرا من الأذكياء قد تحولوا إلى بُلهاء وأغبياء حين استهانوا بكرامتهم، وخضعوا لمطامعهم، ومنها سلكوا السبل الخاطئة لتحقيق مرادهم، فلو تأملنا أحداث الشام ومصر لوجدنا أن كثيرا من الأذكياء الذين اغتروا بذكائهم فقدوا كرامتهم، وخضعوا وخنعوا لأهوائهم، وعجزوا عن مقاومة المغريات، واستسلموا للمشتهيات، فهذه هي المعطيات، فماذا علنا نجد المخرجات؟! هل مواقف صامدة في وجه الشهوات؟! أم انحطاط في الأخلاق وعتمة تغشى الأرواح؟!

إن حقيقة الأحداث تقف على الصراع الفكري الديني بين الأنظمة والشعوب، ها هو بدأ المعترك في الشام قبل ثلاثة أعوام تقريبا، واليوم يتكرر نفس المشهد في مصر مع اختلاف الأدوار والممثلين، إلا أن المضمون والهدف اتحد في الوجهتين، بكتم أنفاس مفهوم الدين الشمولي، الذي يتمثل في أسلوب إدارة الشعوب وفن قيادتهم وتنظيم مصالحهم وشؤونهم المدنية.

إن ما يغيظ أعداء الإسلام من الإسلاميين ويجعلهم يحاربونهم بكل عتادهم وقواهم، هي السياسة الشرعية التي تفرد بها السياسي الشرعي، وتميز بفضلها عن بقية الساسة، لأنه يحمل فكر الإمارة وإقامة الدولة المدنية الإسلامية بأركانها الأساسية، بالتوجيه وتعريف الغايات والأهداف والقيم، وآليات اتخاذ القرار، التي تجمع ما بين تطبيق القيم والمبادئ، وتحديد الغايات والأهداف التوافقية مع الإسلام ومقاصده.

إن فكرهم القاصر المحدود بمقاصد وأهداف الشريعة، جعلهم يعتقدون ويظنون بأن كل من ينادي بتأسيس دولة مدنية إسلامية، سيقيم دولة العصابات البوليسية، كما يقال بالمثل الشعبي «كلٌ يرى الناس بعين طبعه» لأن فكرهم يستند على سياسة العصابات، وسياسة التحرر الإجرامي والكبت الديني، فحسبوا وتوهموا بأن كل من يأتي بمشروع دولة متكامل الأركان، قائم على العدل والقسط والمساواة، هو إرهابي متطرف لا يفقه من الدين إلا الجهاد، كما أن فكرهم المحدود لا يمكنه استيعاب مفهوم الدين الذي يتجاوز كثيرا في شموله ما نحمله اليوم من تحديد وتضييق لهذا المفهوم والمدلول العميق بعمق شموليته وعموميته.

ألم يعلموا بأن الإسلام اهتم ببناء الجماعة وتنميتها بالإرشاد والتوجيه، وبناء الجماعة يعني بناء السلطة التي تشكل إطار التوحيد المادي والمعنوي، واستطاع الإسلام بشموليته وكماله أن يبني العقل الإسلامي المتضمن لمفهوم التنزيه والتوحيد لله سبحانه وتعالى، وتربيته على التجريد الذي يشكل قاعدة كل تفكير نظري أو مفهومي، هذا الإسلام العظيم الذي يدعو منذ أوائل بزوغه إلى قيام قاعدة لنظام إنساني قائمة على التآخي والتلاحم والتعاون والتضامن لتأسيس أمة كالجسد الواحد إذا تداعى فيها عضو سهرت له سائر الأعضاء.

حين نسقط من حساباتنا إنزال أحكام وشرائع الدين على واقعنا، حتما سنجد أنفسنا مجرد جهّال يعيشون على هامش الحياة، يعجزون عن فهم وإدراك الدين على مراد الله ورسوله، إدراك مركزية الدين بالنسبة للمجتمع المدني، ووضعه في مركز الحياة الاجتماعية في كل الميادين ولا يمكن فكاكه عن حياتنا اليومية.

ولأن أرواحنا عربية وعقولنا إسلامية استوعبنا حقيقة العلاقة ما بين الدين والدولة، علاقة التعايش والاندماج والامتزاج ما بينهم، ورفضنا واستنكرنا مجازر القتل والحرق والإبادة الجماعية، والممارسات اللاإنسانية، من أنظمة الظلم والجور والإجحاف ضد شعوبهم المسالمة، التي لم ترتكب ذنبا أو خطأ إلا أنها آمنت بالتغيير لصناعة وإقامة دولة مدنية إسلامية تحفظ لهم قوانين الأمن والحقوق العامة بمفهوم العدل والمساواة.

 

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي