منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / مسافة فاصلة..!

تصغير
تكبير
| منى فهد عبدالرزاق الوهيب | بعدما انتعشت أرواحنا، وزهت واعتدت نفوسنا، وتأنقت وتفوقت قلوبنا، على كل جفاف روحي، وجمود عاطفي، واعوجاج سلوكي، في شهر الرحمات، علينا قياس المسافة الفاصلة ما بين قبل رمضان وبعده، حتى لا نتراجع ونعود كما كنا عليه قبل رمضان.

توالت الأحداث خلال شهر رمضان وتنوعت، على جميع الأصعدة، منها ما هو نفسي شخصي، ومنها ما هو أسري، ومنها المجتمعي والسياسي و... و... و، فأتاحت لنا الفرصة بأن نسلط ونلقي الأضواء على الماضي من أجل الكشف عن معطياته وملابساته وأخذ العبرة منه إلى جانب محاولة فهم الواقع النفسي لكل منا والأسري والمجتمعي وتحليله تحليلا منطقيا يتوافق مع واقعنا وإبراز ما فيه من مشكلات وأزمات، تساعدنا على مواجهة ما نعاني منه، والتي هي بدورها تحفزنا على ارتياد أفاق جديدة تنهض وتتقدم بنفوسنا لنستطيع ونتمكن من صياغة رؤية استكشافية للمستقبل.

إن تحدثنا على المستوى النفسي الشخصي أجزم فالكل شعر بالتفوق على نفسه عندما كبحها وتغلب عليها بترك ملذاته وشهواته لمدة ثلاثين يوما، وأغلبها حاجات أساسية، بل أصبح يباريها وينتقدها على نحو جيد من الموضوعية والحيادية للتخلص من بعض السلبيات الفكرية والشعورية والسلوكية غير المرغوبة، واستبدالها بإيجابيات تعينه على إتمام مفهوم الصيام كعبادة كما يريدها الله ويرضاها، اعتقد أن الصائم كان دوره ريادياً في جرأته مع نفسه ومكاشفتها بمصداقية وحكمة تعينه على الصبر عليها، ومنا من تصادم معها ومارس التعليل والتحليل لتدرك مدى تأثير الأخطاء والزلات عليها في شهر مثل رمضان، وبفضل ومنّة من الله غالبيتنا العظمى استطاع أن يعمق المعاني الإيمانية في نفسه، ويعيد شحن طاقته الروحية التي تناقصت أو تعطلت خلال شهور السنة.

وإن تحدثنا عن السياسة التي فرضت نفسها علينا حتى في شهر البركات، فنقول إن السياسة هي مركز التوازنات والحلول المتوسطة، فالسياسي حين يكون في السلطة يشعر بأنه مسؤول عن تلبية أكبر قدر ممكن من رغبات الناس وتطلعاتهم، فالحمل على السياسي ثقيل في غير شهر رمضان فكيف إن كان في شهر تتضاعف فيه الحسنات، فالسياسي قبل أن يمتهن هذه المهنة فهو إنسان ويشمله ما تقدمنا به من حديث على المستوى النفسي الشخصي، وتضاعفت المسؤولية عليه بعدما كلف بحمل حقيبة وزارية أو فاز بعضوية البرلمان.

هنا تأتي الأسئلة التي توجب نفسها على أعضاء الحكومة، هل من توجوا على رأس المؤسسات الحكومية على علم ودراية بحاجتهم لشيئين أساسيين حتى يثبتوا جدارتهم أمام الرعية ومقدرتهم على تحقيق رغبات وطموحات الشعب؟! هما.. المشروعية والانجاز.

ونعني بالمشروعية هنا شعور الناس بأن الدولة تمثلهم فعلا، وهل لديهم آليات تصحح أخطاء وإخفاقات من سبقهم، ومحاسبة كل من يخطأ تجاه الوطن والمواطن؟، أما الإنجاز المطلوب من أعضاء الحكومة هو قدر من النجاح والفلاح في تحقيق تطلعات المواطنين وحل مشكلاتهم المختلفة وحراسة المبادئ والقيم التي يؤمنون بها، ولا يخفى على الحكومة بأن الناس لديهم مهارات فائقة وعظيمة في فهم ذلك النجاح من خلال مقارنة أحوالهم بأحوال شعوب مجاورة أو مناظرة.

هناك مسافة فاصلة قبل وبعد رمضان لكل منا، سواء كنا من عوام الشعب أو من أعضاء حكومة أو برلمان، فمثلما تغلبنا على أنفسنا في رمضان جاء دور التغلب على نهج الحكومات السابقة الذي عطّل وشلّ التنمية البشرية، حان وقت ارتياد آفاق حديثة تنهض وتتقدم بالمواطن الكويتي خاصة، ومؤسسات الدولة عامة، لصياغة رؤية استكشافية للمستقبل تقينا وتحصننا من التراجع وهدم ما تم أعماره من تهذيب وتزكية للنفوس خلال شهر البركات والرحمات.



[email protected]

twitter: @mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي