منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / كونوا كما كانوا !

تصغير
تكبير
| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |

هناك شعور عام في معظم بلاد العالم بضرورة محاصرة الفساد والمفسدين، وعندما نقول محاصرة القصد منها تقليل وتقييد الفساد والمفسدين، لأنه من الصعب أن نقتلع الفساد من جذوره والقضاء عليه، بعد ما تجذّر وتأصل في معظم المجتمعات بل وتوارثته بعض الأجيال، لهذا نجد أن معظم دول العالم اليوم مهتمة بمسألة الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري.

الشفافية تعني الوضوح والتصرف بطريقة مكشوفة، وإتاحة الكشف عن المعلومات المتعلقة بالمؤسسات والجهات والدوائر الحكومية، لمن له علاقة بها أو له مصلحة في الاطلاع عليها، الشفافية تقوم على الوضوح والكشف عن كل المعلومات وتسهيل معرفة وسائل الإعلام وأجهزة الرقابة والأجهزة القضائية والرأي العام، بأوضاع المؤسسات الحكومية وحيثية القرارات التي اتخذوها وأسبابها، وما ترتب عليها من نتائج، وما أحدثته من تداعيات.

الشفافية مبدأ إسلامي وتجسّد هذا المبدأ في سيرة القائد الفذّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، لقد رأينا وقرأنا الوضوح والشفافية في كل تفاصيل حياته عليه الصلاة والسلام، فتجد الشفافية عنوان لتفاصيل حياته الخاصة والعامة، أين قادة العرب والمسلمون اليوم من مبدأ الشفافية؟! أليس هم الأولى من غيرهم بتبني هذا المبدأ الإسلامي وبلورته وإسقاطه على أرض الواقع بأفعال وسلوكيات تتوافق مع المبدأ ولا تناقضه؟!

هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يزيل شك أحد الصحابة عندما أتت ثياب من اليمن فوزّعها أمير المؤمنين رضي الله عنه على الناس، وكان عمر رجلا طويلا فلما لبس الثوب وصل الثوب إلى ركبتيه، فقال لابنه عبد الله: أعطني ثوبك الذي هو حصتك، فأعطاه إياه، فوصل عمر ثوبه بثوب ابنه عبد الله، وصعد المنبر يخطب في الناس، وقال: أيها الناس اسمعوا لما سأحدثكم عنه: فقال سلمان الفارسي: لا نسمع ولا نطيع! فقال عمر ولمَ؟ فردّ سلمان: لأنك تلبس ثوبين وتُلبسنا ثوباً واحداً. فقال عمر: يا عبد الله قم فأجب، فقام عبد الله والناس سكوت فقال: إن أبي رجل طويل لا يكفيه ثوب، فأعطيته ثوبي، فوصله بثوبه، ولبسهما. فقال سلمان: يا أمير المؤمنين الآن قل نسمع، ومُر تُطَع.

إن هذه الواقعة تعبّر عن سهولة تواصل الناس مع أمرائهم ورؤسائهم، وتعبر عن سهولة وصول الرعية إلى المعلومة، لماذا لا يكون ملوك ورؤساء الدول الإسلامية نموذجاً متألقاً في الشفافية والنزاهة من خلال سيرتهم الشخصية، ومن خلال مؤسساتهم المختلفة؟! لماذا لا يمارسون التحليل والتعليل عند الحديث عن الفساد والمفسدين؟! لماذا أصبح ديدنهم التكتيم والتعتيم وتضليل الشارع المسلم؟! لماذا لا تكون الشفافية جزءاً من منهجنا في حياتنا العامة؟! لماذا غُيبت المبادئ بل دفنت في مقابر المصالح الشخصية؟!

إن نقص الشفافية يعني ارتفاع معدل الفساد في المجتمعات، وهذا الفساد يجر المجتمع إلى فشل المؤسسات في تنظيم وضعها على نحو عال من الجودة في الأداء، وفي ضبطها قانونيا ومحاسبيا إن وقع خلل فيها، كما أن غياب مبدأ الشفافية يشير ويدل على نقص الوازع الديني في الرقابة الذاتية أو نقص في التربية والاستقامة لدى بعض الأفراد، الشفافية مطلب خلقي وثقافي، كما أنها أداة من أدوات التنمية، فإن أردنا أن نحرك عجلة التنمية من جديد فلنلتزم بالشفافية في كل ميادين الحياة.

 



[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي