علي الرز / فليقتد اللبنانيون بسورية!

تصغير
تكبير
علي الرز



من سمع الخطاب الناري للرئيس السوري بشار الاسد عقب انتهاء حرب يوليو 2006، ومن تابع كيف خوّن الغالبية اللبنانية واعتبرها منتجا اسرائيليا مطالبا باسقاطها لأنها كانت تمتلك رأيا مخالفا لاطلاق حرب في هذه الظروف، ومن توقف عند هجومه حتى على زعماء عرب اعترضوا على الحرب معتبرا إياهم «انصاف رجال»، ومن شاهد مقابلة الدكتور بشار مع الاعلامي حمدي قنديل وفيها ان التحضيرات الداخلية السورية تكثفت في اطار تعميم ثقافة المقاومة... من فعل ذلك لم يكن يتوقع بالطبع ردا سوريا عسكريا سريعا على اي انتهاك اسرائيلي، لكنه لم يكن يتوقع ايضا حجم الصمت «السياسي» و«الشعبي» ازاء الانتهاكات الاسرائيلية للاجواء والارض في سورية.

 لا شك في ان دمشق عندما تريد ان ترد على اسرائيل او تعلن الحرب فإن وزير دفاعها لن يعقد مؤتمرا صحافيا يشرح فيه طبيعة الرد، ولن تنفذ وزارة الاعلام السورية زيارة ميدانية الى الحدود في الجولان تشرح فيها للاعلاميين الامكنة التي ستضربها المدفعية او ستقصفها الطائرات، كذلك فإن خطة الهجوم لن تكون مدار بحث مع ضيوف لبنانيين وعرب واجانب... ولكن ان تخرج تظاهرات في دمشق ومختلف المدن السورية احتجاجا على غارات اسرائيلية على لبنان ولا تخرج تظاهرة واحدة احتجاجا على غارة اسرائيلية على سورية ولا حتى ندوة او بيان من قوى سياسية فهو امر يقتضي التأمل.

منذ 1973 وسورية ترد على اي انتهاك اسرائيلي لاجوائها بالعبارة التالية: «نحن نختار مكان المعركة وزمانها». وهي عبارة تدل على جملة عوامل تتعلق بموازين القوى من جهة وبالحسابات السورية الداخلية والخارجية من جهة اخرى. مرة واحدة فقط منذ ما يزيد على 34 عاما خرقت هذه المعادلة او بالأحرى اخترقت عام 1982 حين فرضت حسابات الفلسطينيين والاسرائيليين وبعض الانظمة العربية اجندتها الحربية على لبنان وسورية فدخلت الاخيرة لا اراديا معركة جوية كبيرة في اجواء البقاع سقط على اثرها عدد كبير من مقاتلات الميغ، اضافة الى معارك ارضية لمنع تقدم الجيش الاسرائيلي كان ابرزها واحدة عند الطريق الدولي بين لبنان وسورية واخرى في منطقة المتحف في بيروت المحاصرة.

يومها، كانت القيادة في دمشق في أوج الغضب من انفلات السلاح الفلسطيني واليساري اللبناني من ساعة الضبط السورية على رغم ان الاجتياح كان من انتاج واخراج وتنفيذ اسرائيل المستفيدة من جبهة شرقية ملتهبة بفعل الحرب الايرانية العراقية، ومن خليج خائف متوتر ومن مصر كامب ديفيد ومن انقسام لبناني مريع سهل وصول قواتها الى بيروت خلال ايام فقط للقضاء على منظمة التحرير... رغم ذلك كان الرئيس حافظ الاسد متضايقا جدا من اسلوب ادارة الصراع حيث تشاركه فصائل فلسطينية متحالفة مع احزاب يسارية لبنانية قرار الحرب والسلم، وحيث تفتح هذه المشاركة ثغرات كبيرة تعقد امساكه بالورقتين اللبنانية والفلسطينية وتجعل احتمال توريط الجيش السوري في معارك كبيرة ممكنا حتى لو لم تكن الجهوزية حاضرة.

ويومها، والتاريخ ليس ببعيد، اكملت سورية على ما تبقى من منظمة التحرير اثر قرار مركزي اتخذ بعدم السماح بتكرار ما حصل، وبتسلم القرار اللبناني كاملا بدعم من الحلفاء المقاومين للاحتلال من دون اي مشاركة فلسطينية. دعمت دمشق انشقاقا في حركة «فتح» اسمته «فتح - الانتفاضة» (تفرع منه لاحقا تنظيم «فتح الاسلام») وتم استهداف المقار العسكرية الفلسطينية التي بقيت سالمة في البقاع، وقتل القائد الفلسطيني الكبير ابو الوليد، ثم حوصرت طرابلس عندما عاد اليها ياسر عرفات بحرا وقصفت ودمرت، لتنتهي الحرب السورية على المدينة برحيل عرفات كما اتى عن طريق البحر فيما كانت قواته سبقته الى تونس ومصر.

ومن 1982 الى يومنا الراهن، عادت عبارة: «نحن نحدد مكان المعركة وزمانها» رغم كل المعارك العسكرية التي شهدتها ساحتا الجنوب اللبناني وفلسطين، وكان لسورية الدعم الكبير في امداد المقاومين بالسلاح والتدريب والتغطية السياسية، واستمرت العبارة مع تحليق الطيران الاسرائيلي فوق دمشق واخيرا مع الغارة التي شنت على موقع في شمال سورية.

انسجمت سورية مع نفسها واقعيا وعمليا عندما رددت هذه العبارة، فهي دولة تحسب تماما ارقام الربح والخسارة نائية بنفسها عما يريده شارع مطوع الى حد كبير ومسير بدرجة متقدمة. فدمشق تعلم ان مصلحتها تكمن في عدم الرد على اسرائيل في الوقت الذي تريده اسرائيل وربما في اي وقت. وهو ادراك محق وأدعى إلى الهدوء، خصوصا بالنسبة الى الوجه الآخر من صورة شارع يموج او ثوريين يتحرقون شوقا الى معركة، أي معركة. بل هو أدعى إلى أن تعمم سورية هذه السياسة الواقعية بالنسبة الى الساحتين اللتين ما زالت تتحكم الى حد كبير بقرار المواجهة فيهما، اي لبنان وفلسطين، متذكرين كيف حصلت حرب يوليو 2006 وكيف انتهت وما هي تداعياتها على الداخل اللبناني بعد خطاب الرئيس الاسد.

تحصل غارة في سورية ولا تخرج تظاهرة ولا تعقد ندوة ولا نسمع بأي حملات شعبية للتنديد والتعبئة بل عبارة الرد في المكان والزمان المناسبين. نتمنى ان يحصل ذلك في لبنان الذي حرر المقاومون ارضه عام 2000، وان تقتدي الحكومة المركزية او السلطة بالحكم في سورية فتقيس حسابات الربح والخسارة عند مناقشة اي رد على انتهاك اسرائيلي، وتتمكن بهدوء وسلام من مناقشة ابعاد خطف جنديين من داخل الخط الازرق. نتمنى ان يحصل ذلك بحس وطني عال تماما كالحس الوطني العالي الذي تتمتع به السلطة في سورية، مع ضمان ألا يذهب اي مسؤول لبناني الى ما ذهب اليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم حين اعتبر الداعين الى فتح جبهة في الجولان بأنهم متآمرون على سورية.

سورية على حق في طريقة مقاربتها للانتهاكات الاسرائيلية، وسورية واقعية جدا في استعدادها لمعاودة المفاوضات مع اسرائيل حول الجولان من دون اي شروط مسبقة، مسقطة اي تحفظ بما فيه «وديعة رابين»... وليكن هذا ديدن اللبنانيين في مقاربتهم لاستعادة مزارع شبعا، ولتدفعهم واقعيتهم ووطنيتهم وحرصهم على الاستقرار والسلم الى الاقتداء بالتجربة السورية، بحيث يتحدد الرد على عدو لئيم غادر في المكان والزمان اللذين يرى جميع اللبنانيين انهما يتوافقان ومصلحة البلاد العليا، بعيدا من سياسات التخوين والتخريب والتعطيل واجهزة التنصت التي تكشف للمعتصمين في وسط بيروت ما يدور في الغرف المغلقة بين بيروت وواشنطن وتل ابيب وفرنسا.


علي الرز

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي