بعد ابتكار جهاز لخياطة الملابس من دون خيوط هل يجوز الحج بعد ذلك بالملابس العادية؟

u0645u0644u0627u0628u0633 u0627u0644u0625u062du0631u0627u0645 u062du062fu062fu0647u0627 u0627u0644u0625u0633u0644u0627u0645 u0648u0644u0627 u0633u0628u064au0644 u0644u0644u0627u062cu062au0647u0627u062f u0641u064au0647u0627
ملابس الإحرام حددها الإسلام ولا سبيل للاجتهاد فيها
تصغير
تكبير
| إعداد عبدالله متولي |

هل يجوز الحج بملابس عادية اذا كانت خالية من المخيط؟ وهل ملابس الإحرام تدخل في نطاق «الشكل» أم أنها تتعلق بالمقاصد الشرعية؟ وهل الترويج للتخلي عن ملابس الإحرام التقليدية وارتداء ملابس خالية من المخيط في الحج له جوانب سلبية على وحدة المسلمين؟ وهل نحن ملزمون بالهيئة التي اثرت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج؟ ولماذا يحجم المسلمون عن كل جديد ويرفضون التطوير؟

هذه مجموعة من الاسئلة اثيرت على خلفية خبر تناقلته وكالات الانباء عن نجاح طلبة في قسم تصميم الازياء التابع لجامعة «كورنيل» الاميركية في «خياطة» ملابس خالية من الخيوط، وجاء الخبر تحت عنوان (ابتكار جهاز لخياطة ملابس تخلو من «الغرز») حيث لم يتم استعمال خيوط او مواد لاصقة لجمع القطع التي تكونها، وانما تم اللجوء إلى تقنية الأمواج فوق الصوتية لجعلها تلتحم بعضها ببعض.

وتعتمد هذه التقنية على استخدام جهاز يعمل على تحويل الموجات الصوتية ذات التردد العالي إلى اهتزازات ميكانيكية تتجمع في أحد أجزائه، فينتج عنها حرارة تسمح باندماج سريع بين الأجزاء المؤلفة لقطعة الملابس المراد خياطتها، إلا أنه يشترط أن تتكون الأخيرة من خيوط صناعية بنسبة 60 في المئة كحد أدنى، لضمان نجاح هذه العملية.

وبحسب «أنيتا راسين» المحاضرة في القسم والمشرفة على هذا المساق، فإن استخدام تقنية الدمج بواسطة الموجات فوق الصوتية تساعد على إنتاج ملابس تخلو من الغرز أو الخيوط، ودون الحاجة إلى استعمال مواد لاصقة، لتعطي قطعا تمت «خياطتها» بدقة وكفاءة، وقد تنوعت تصاميمها وأشكالها لتنسجم مع مختلف خطوط الموضة.

 علة التحريم

ما يخصنا نحن المسلمين في الأمر أن البعض قد روّج بأن تلك التقنية الجديدة تعني التخلي عن ملابس الإحرام التقليدية، على أن يرتدي الحاج ملابس مصنوعة بهذه الطريقة، ما دامت خالية من المخيط، إذ هو علة التحريم، حسب فهمهم.

وقد رفض علماء الإسلام هذا الأمر رفضا تامّا، مؤكدين أنه يخالف المقاصد الشرعية والفقهية من تحديد ملابس الإحرام.. والتفاصيل في التحقيق التالي:

في البداية يؤكد د. عبد الله الفقيه المشرف على الفتوى في موقع الشبكة الإسلامية أن العلماء لم يقتصروا في علة تحريم لبس الثياب حال الإحرام على المخيط، وإنما ضموا إليه المحيط أيضا، وهو كل ما أحاط بالجسم، حتى لو لم يكن مخيطا.

ويتابع: «القضية ليست في الخيط بحد ذاته، والدليل أن الحاج لو عنده ثوب فيه خيط واستعمله كما يستعمل الإزار أو الرداء مثلا فلا شيء عليه».

ويضيف: «ثم إن القضية ليست قضية شكل بقدر ما هي قضية مقاصد شرعية تغياها الشارع الحكيم من هذا الشكل، فالحجيج بملبسهم الواحد مع أفعالهم الواحدة وقبلتهم الواحدة يشكلون تناغما مقصودا، وكذلك يؤكد على سواسية الخلق جميعا بين يدي الله عز وجل أيا كانت جنسياتهم أو أعراقهم أو أوضاعهم المعيشية».

لذلك يؤكد الفقيه أن «الحاصل لدى عدم جواز لبس هذه الملابس في الحج، وعدم جواز تغيير الهيئة التي أُثِرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الأمر فيها للوجوب (خذوا عني مناسككم)، والهيئة جزء من تلك المنظومة التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نأخذها عنه».

الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر اكتفى في تعليقه بالقول: «أنا أحذر وبشدة كل من يحاول إحلال هذه الملابس الجديدة محل ملابس الإحرام التقليدية أو المتعارف عليها منذ العهد النبوي من العذاب الشديد في الدنيا والآخرة».

وعلَّل صبري كلامه قائلا: «لأنهم يريدونها فتنة بين المسلمين في دينهم، وقد قال الله عنهم وعن أمثالهم: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، وقد فسر الفقهاء الآية قائلين: فليحذر وليخْشَ من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة، (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي: في الدنيا، بقتل أو حَدٍّ أو حبس أو نحو ذلك».

وأضاف: «نحن ملزمون بارتداء ملابس الإحرام كما كان يرتديها الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه القائل لنا: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولهذا فكما نتمثل صلاته في القول والفعل والهيئة، فعلينا أن نلتزم بقوله وفعله وهيئته في الحج كذلك».


 فتوى جماعية

نفس اللهجة تحدث بها الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأميركا، حيث أكد هو الآخر على خطورة هذا الأمر، مشددا على أن «أي محاولة لترويج تلك الملابس بين حجاج المسلمين يجب أن تواجه بكل حزم وقوة».

كما دعا عثمان الفقهاء في كل أنحاء العالم إلى «التحذير من محاولة إغواء الحجاج لارتداء تلك الملابس، حتى لا تتسرب إلى الحج..»، لافتا إلى أن «هذا الأمر لو حدث مرة واحدة فإن الأمر من الممكن أن يخرج من أيدينا».

لذلك يرى عثمان «ضرورة أن يعرض الأمر على المجامع الفقهية المعتبرة في كل أنحاء العالم الإسلامي، من أجل إصدار فتوى جماعية تقطع الطريق أمام المزايدين، خاصة في ظل اختلاط الأمر في ساحة الفتوى، وحتى لا نفاجأ بشخص مجهول يفتي عبر إحدى الفضائيات بجواز هذا الأمر».

وعلّل عثمان رأيه قائلا: «من أهم الشروط الواجب توافرها في ملابس الإحرام ألا تكون مفصلة على الجسم، وهو أمر يعني أن ارتداء ملابس تم تفصيلها باستخدام الأشعة تحت الحمراء يعني أنها ملابس تم تفصيلها على جسد الإنسان حتى تناسب مقاساته الخاصة، وبهذا تفتقد تلك الملابس لشرط أساسي من شروط ملابس الإحرام».

ويتابع: «وقد ورد في السنة أن للمحرم تغطية كتفيه بالرداء إلا في طواف القدوم، فإنه يضطبع بردائه، فإذا انتهى أعاد رداءه على كتفيه، والاضطباع هو: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر إلى أن ينتهي من الطواف، ثم يجعل الرداء على عاتقيه قبل ركعتي الطواف.. فكيف سيصنع ذلك من يرتدي (بدلة) مثلا تم تفصيلها بواسطة هذه الطريقة التكنولوجية الجديدة».

ويستدرك عثمان قائلا: لكن هذا لا يعني أبدا أن المسلمين يرفضون التماس سبل تطور الحياة، ولكن التماس سبل التطور والاستفادة منها يكون في الأمور الحياتية العادية، وليس في أمور العقائد والشعائر والعبادات.

ويضيف: «وحتى لا ينطلق العلمانيون زاعمين أننا بذلك نسمح للغرب بالسخرية منا، نبادر بتذكير هؤلاء أنه رغم تطور وسائل الاتصال فإن الفاتيكان ما زال يستخدم أسلوبا يعود إلى القرون الوسطى للإعلان عن اختيار البابا الجديد، ولم يقل لهم أحد في الغرب إنهم متخلفون أو يرفضون التطور التكنولوجي، رغم أن وسيلة اختيار البابا ليست أمرا عقائديا يصعب تغييره، بل هو تقليد قديم فحسب، فما بالنا بملابس الإحرام التي علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون وكيف نرتديها».

> ضوابط شرعية

أما الدكتور محمد المختار المهدي عضو مجمع البحوث الإسلامية فيوضح أن الأساس في ملابس الإحرام أنها مخالفة تماما للأوضاع العادية لملابس الدنيا، وتهدف إلى التذكرة لما سيحدث للإنسان حين يأتيه الأجل، وقد حدّد الإسلام هذه الملابس سواء في الحج أو التكفين، ولا مجال للاجتهاد والتحايل على هذه الضوابط الشرعية.

ويضيف: «من هنا صرح الفقهاء بأن الممنوع في ملابس الإحرام المخيط والمحيط، ويقصد بالمحيط ما ليس به خياطة كالفانلات والجوارب».

وعن حكم من يقوم بارتداء هذه الملابس الجديدة يؤكد المهدي أن «حجه صحيح، ولكن عليه هدي، وعليه ذنب، لأن الهدي يكون في حالة الضرورة، وذلك وفقا لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)، والإسلام حدّد هنا الفدية في حالة المرض والأذى في الرأس، أما الذنب فهو أن يختار الإنسان لنفسه ملابس مخالفة في المظهر وهو غير مضطر لذلك، أو محتاج إلى أن يترك الضوابط الشرعية فيكون آثما مع وجوب الفدية».

وعن جواز منع من يقدم على ارتداء تلك الملابس في الحج أوضح أنه يجب أن نبدأ أولا في إقناعه بخطأ مسلكه، وبيان مخالفته لشعائر الإسلام في الحج، لأن زي الحج شعيرة من شعائر هذا الركن الإسلامي، والملابس المحددة لزيه يجب أن تكون كما ارتداها الرسول والخلفاء الراشدون من بعده وكل المسلمين حتى الآن، ولا يجوز تغييرها، وذلك لقوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج: 32.

ويتابع المهدي: أما إن أصر على ارتدائها ورفض النصيحة فيجوز لولي الأمر منعه من الإتيان بهذا الفعل حتى لا يفتن المسلمين في دينهم، على أن يتخذ ولي الأمر في ذلك إجراءات مناسبة».

 حكمة ربانية

جانب آخر يتعلق بالمقاصد الشرعية من ملابس الحج يؤكد عليه الدكتور محمد عبد المنعم البري أستاذ التفسير بجامعة الأزهر والرئيس السابق لجبهة علمائه، حيث يقول: «إن تحديد شكل ونوع تلك الملابس لم يأتِ وليد بيئته حتى يخضع للتطور التكنولوجي، لكنه جاء كحكمة ربانية، حتى يتشابه الجميع في الحج لا فارق بين ثري وفقير، وزير أو غفير، ملك أو صعلوك، فالله تعالى أراد الجميع سواسية.

ويتابع: «كما أن مظهر الحجاج بهذا الزي المميز له أثر بالغ في نفس كل حاج، حتى يلجأ إلى الله تعالى ويستعطفه كي يغفر ما تقدم من ذنبه... كذلك فإن ملابس الإحرام جاءت على هذا الشكل حتى تشبه الكفن للموتى، وحتى يشعر الحاج دائما بأنه مقبل على الله، فيقبل بقلب طاهر، ورغبة في الاستغفار والتوبة».

ويضيف: «أيضا فإن تحديد ملابس الإحرام جاء للحفاظ على أحد أهم تعاليم الإسلام وهي الوحدة الإسلامية كما أقرتها الشريعة، وإذا جاء بعض الناس كي يغيروا شكل ونوع تلك الملابس، فيجب أن ندرك جميعا أن الهدف ليس التيسير على المسلمين، ولكن الهدف ضرب آخر مظاهر وحدتهم وهو ركن الحج، حيث إنه الركن الوحيد الذي تبدو فيه وحدة المسلمين العقائدية واضحة، خاصة بعد أن أصبحنا نختلف في كل شيء بدءا من الأمور السياسية، وحتى تحديد مواقيت الأهلة». ويشدد البري على أن أي عبث بملابس الإحرام في شكلها أو لونها أو نوعيتها بالنسبة للرجال مرفوض فقها وشرعا، خاصة أن الفقهاء القدامى أكدوا أن توحيد شكل ونوع ملابس الإحرام هو توجيه نبوي واضح، للتأكيد على المعنى الاجتماعي للحج.

ويلفت إلى أن «إحدى الفلسفات الاجتماعية لهذا التجمع العظيم من جميع أنحاء العالم هي توثيق عرى الوحدة بين المسلمين، وإذا أوجد بعض الحجاج جديدا من خلال أعمالهم حتى لو كان ذلك في تغيير ملابس الإحرام، فإن هذا يؤدي إلى بث الخلل في هذه الوحدة، مما يؤدي بالتالي إلى التفرقة، مما يوجب سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذاب الله عز وجل».

المصدر: islamonline.net

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي