د. صلاح الفضلي / شريك «كامل الدسم»

تصغير
تكبير



لا أعتقد أن أحداً في الكويت يخفى عليه الأزمة السياسية الخانقة التي يعيشها البلد جراء الاحتقان الدائم بين الحكومة ومجلس الأمة والذي نتج عنه حل لمجلس الأمة وثلاثة تشكيلات حكومية وتعديل حكومي موسع في فترة لا تتجاوز العام ونصف العام، الكل يتساءل عن سبب هذا الاحتقان الدائم بين المجلس والحكومة، فالكثيرون من الناس يلقون باللوم على أعضاء مجلس الأمة بسبب تعسفهم في استخدام الاستجواب كأداة رقابية، في حين يدافع أعضاء مجلس الأمة عن موقفهم بالقول: إن عجز الحكومة الفاضح وعدم امتلاكها لرؤية في إدارة البلد وتجاوزات وزرائها التي لا تحصى لا تدع لهم مجالا إلا استخدام الأدوات الدستورية المتاحة لهم، ومنها الاستجواب. بعد ما شهده دور الانعقاد السابق من استجوابات أدت إلى خروج ثلاثة وزراء من الحكومة اعتقد الكثيرون أن الشيخ ناصر المحمد ستتاح له الفرصة خلال فترة الصيف الطويلة أن يأتي بوزراء أكفاء قادرين على التعامل مع مجلس الأمة والتفاهم معه، ولكن عندما خرج التشكيل الحكومي الجديد إلى النور ليلة انعقاد مجلس الأمة بنوعية الوزراء الجدد وطريقة تدوير الوزراء وكأنهم أحجار شطرنج أدرك الجميع ان عمر هذه الحكومة قصير، وانها ربما تكون مقدمة لحل دستوري لمجلس الأمة متوقع على نطاق واسع، وان المسألة مسألة وقت تحتاجه الحكومة «لتضبيط الأمور» استعدادا للانتخابات. ولكن حتى الحل الدستوري الذي تهدد به الحكومة دوما لن يجدي نفعا لأنه جُرب أكثر من مرة من دون فائدة، واستخدامه مرة أخرى هو محاولة يائسة لن يكتب لها النجاح. بعيدا عن الخوض في تفاصيل المشهد السياسي أجد أن الأزمة السياسية تتلخص بشكل مبسط في أن الحكم مازال لم يحسم أمره من النظام الديموقراطي للبلد، فمن الواضح انه يعتبر ان مجلس الأمة منازع له في السلطة التي يريد أن يتفرد بها، وهذا خلاف ما قرره الدستور الكويتي من مشاركة في الحكم بين الأسرة الحاكمة والشعب، وبالتالي فإن سبب التأزم الدائم بين الحكومة والمجلس هو بسبب تبرم الحكم مما هو متوافر لمجلس الأمة من سلطات، ولذلك فهو يتحين الفرصة لتقليصها متى ما سنحت له الفرصة وهو ما حاول القيام به من محاولات لتعديل الدستور في أكثر من مناسبة.

وبسبب عقلية التفرد في السلطة فإن الوزراء الذين هم أعضاء في مجلس الوزراء الذي يفترض أن يهيمن على ادارة شؤون البلد أصبحوا مجرد موظفين يأتمرون بأمر رئيس الوزراء، في حين ان الدستور لا يعطي رئيس مجلس الوزراء صلاحية سوى رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء والتنسيق بين الوزارات.

ما لم يحسم الحكم أمره ويصل إلى قناعة بأن مجلس الأمة شريك «كامل الدسم» في الحكم ويتخلى عن أحلام الانقضاض على صلاحيات مجلس الأمة والرغبة في تحويله إلى مجرد ديكور فإن الأزمة السياسية ستستمر سواء بوجود الشيخ ناصر المحمد أو بوجود أي شخصية أخرى.


د. صلاح الفضلي

كاتب وأستاذ جامعي كويتي

salahma@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي