| عبدالعزيز صباح الفضلي |
أيهما أهم الأخلاق أم العبادة؟ وأيهما أقرب إلى الله تعالى العابد سيئ الخلق، أم الخلوق المفرّط في عبادته؟ أطرح هذه التساؤلات لأننا بالفعل نقابل أصنافا متعددة من الناس، منهم من هو محافظ على الصلوات في المسجد، ويؤدي السنن والنوافل، لكن شرّه لا يكاد يسلم منه أحد، لا جار ولا قريب أو حتى زميل عمل، سلاطة لسان، غيبة، نميمة وأحيانا يصل الأمر إلى التعدي باليد، وتجد هذا المسكين يرى نفسه من أقرب الناس إلى الله.
وفي المقابل تجد شخصا آخر مؤدبا متواضعا صاحب نخوة وشهامة، لكنه لا يصلي، وقد تجد فتاة صاحبة خلق وحياء لكنها غير محجبة، فإذا سألتها عن تقصيرها في فريضة الحجاب قالت: المهم الأخلاق.
نقول العبادة والأخلاق للإنسان كالجناحين للطائر لا يمكن أن يحلّق بواحد دون الآخر، فلن تنفع العبادة صاحبها ما لم يحسن التعامل مع الناس، وقد أخبر النبي عليه الصلاة عن مصير امرأة عابدة صوّامة قوّامة أنها في النار بسبب إيذائها لجيرانها، وكذلك لن ينفع حسن الخلق ما لم يصاحبه عبادة صحيحة وتوحيد خالص لله تعالى، وقد سُئل رسولنا الكريم عن عبدالله بن جدعان، وهو رجل كان معروفا عند العرب بإكرام الضيف وصلة الرحم وحسن الجوار، لكنه مات على غير التوحيد، فهل سينفعه ذلك؟ فكان الجواب: (لا إنه لم يقل يوما اللهم اغفر لي خطيئتي يوم الدين).
لقد أوضح النبي عليه الصلاة والسلام أهمية اجتماع الدين والخلق حين قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، وهو كلام له دلالته الواضحة، في أهمية اجتماع كلتا الصفتين في الإنسان، وكم ابتُلي المجتمع ببعض من ظاهره الالتزام، وقد يكون طالب علم، أو ربما يحمل شهادة الدكتوراه الشرعية، لكنه أبعد ما يكون عن الأخلاق الحسنة، لسوء سلوكه، وفضاضة ألفاظه وغلظته في التعامل مع الآخرين.
إن من يريد أن يستجيب الناس لنصائحه عليه أولا أن يبدأ بنفسه، فالدعوة بالقدوة العملية أوقع أثرا من الكلمات الجوفاء، وقد قيل : إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب، كما تزلّ القطرة عن الصفا، (والصفا الصخرة )الملساء.
مركز الراسخون
تشرفت يوم الثلاثاء الماضي بحضور افتتاح مركز الراسخون للتأصيل الشرعي التابع لجمعية الإصلاح الاجتماعي، ومما يميز هذا المركز هو حرصه على غرس وتعزيز الأخلاق والسلوك بجانب طلب العلم الشرعي، ومما يفرح وجود التعاون والتنسيق في إقامة هذا المركز بين قطاع الدعوة بجمعية الإصلاح وبين وزارة الأوقاف ممثلة بإدارة مساجد محافظة حولي، كما أعجبني أن من يقوم بإلقاء المحاضرات والدروس الشرعية ليسوا من أعضاء أو مشايخ جمعية الإصلاح من أمثال الدكاترة الأفاضل طارق الطواري وعبد المحسن زبن المطيري وعبد المحسن الطبطبائي، وفي هذا دلالة على روح التعاون بين أبناء الدعوة الإسلامية في إيصال الخير للمجتمع بعيدا عن التعصب الحزبي أو المصالح الخاصة، وقد أعجبتني كلمة د. الطواري في الافتتاح حين أكد على أنه لا يمكن الاستفادة من طالب العلم ما لم يجمع بين أركان ثلاثة وهي العلم والعمل والعبادة، وأضيف عليها ركن رابع وهو الأخلاق.
فجزى الله خيرا كل من سعى لتأسيس هذا المركز وأخص بالشكر الداعية النشط د. عيسى الظفيري، وأسأل الله تعالى أن نرى ثمرة هذا المركز من خلال جهود وعطاء خرّيجيه.
abdulaziz2002