منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / جلسة ستينية ... !

تصغير
تكبير
| منى فهد العبدالرزاق الوهيب |

اعتدنا أن نجالس كبار السن، ننهل من تجاربهم وخبراتهم، لاختصار الزمن علينا، ونحذر مما هم وقعوا فيه واعتبروا منه، نقتبس من كلماتهم وألفاظهم التي عادةً ما تكون صعبة في الفهم لتضمنها عدة معانٍ، غالبا ما تكون إيجابية المعنى، أحيانا لا نفقهها إلا بعد توضيح وشرح منهم.

نحن نجالسهم ونتبادل معهم أمتع الكلام وأجوده، جلساتهم مميزة تضفي نكهة عبق الماضي، مبهرة بأرج الحاضر، نرى معهم نوادر الطباع، وأبهى أيام الشباب، لأن كلماتهم طعمها أعذب من الماء الزلال، وألطف من السحر الحلال، كلماتهم مصدر إلفات النظر، ومنبع التساؤل والتفكر، باختصار الحديث معهم ومجالستهم تكسبك موسوعة من المفاهيم التي نفتقدها هذه الأيام.

جلساتهم تؤنس الوحشة، ألفاظهم تسرع لأذنك، ومعانيها تتسابق إلى قلبك، إلا أن الأسبوع الماضي كانت جلستهم مختلفة تماما، والسبب إفرازات السياسة ومخرجاتها، فقد كانت الجلسة ملامحها واضحة منذ البداية شعرت بأنهم تجردوا من فطرتهم السليمة، وتقمصوا أدوار الأكاديميين والمحللين السياسيين، حاولنا بقدر الاستطاعة إخراجهم من الجو المشحون الملبد بغيوم اللاستقرار، المكنون بالشرر، ونعقد صلحاً ما بين ماضيهم البسيط وحاضرنا المعقد، ونستثمر جلستنا بما يضفي علينا من حنكتهم ويقينا ويحصننا مما هو قادم إلينا، إلا أنهم أبوا واستكبروا وأصروا على الخوض بالسياسة، وإقامة مباراة سياسية شرسة غير ودية ما بين الفريقين البرتقالي والأزرق، وتبادلوا الركلات بألفاظ قاسية جارحة، وبهجمات متتالية عرضية ورأسية ليثبت كل منهم جدارة وأحقية فريقه بالمشاركة أو بالمقاطعة، وإلقاء اللوم على الحَكَمْ الذي لم يكن حياديا عندما أصدر حكمه بإنذار أو طرد أحد لاعبي الفريقين.

قبّح الله السياسة فقد فجّرت البراكين الخامدة في داخل كل مواطن حتى كبار السن، وهم من كنا نعيش معهم بفطرة وجبلة سليمة عارية من التكلف والتصّنع، العيشة معهم تشعرنا بالأمن والأمان، هم صمام الأمان الرئيسي الذي يحفظنا من خلافاتنا وأزماتنا ومشكلاتنا، إلا أنهم كانوا يتبادلون النظرات السريعة الملغومة بالاتهامات، الخالية من مبادئ الإنصاف والمساواة والشفافية وإحقاق الحقوق لمستحقيها.

على الرغم من اختلاط الأمور في رأس البعض، وأضحت القضايا ضبابية في الرؤية، وضعيفة في الأساس والتأسيس، إلا أن من الطبيعي أن تكون القراءات للأزمات والقضايا الشائكة متعددة ومتتابعة، خصوصا الأزمة المعاصرة ذات الأبعاد الجوهرية، كثير منا لا يفقهها وذلك للخلط القائم بين القضايا والأزمات، وانتشار عقلية الاستيراد والاستهلاك بالأفكار والثقافات، وتوسع ثقافة تغليف التخلف بغلاف جديد وطرحه في الأسواق للأمة لتجتره، أو تحديثه بطرق وأساليب تقليدية لا تخفى على من يؤمن بمدرسة الحداثة التطويرية المحافظة على ثوابت وقواعد الأمة، كما أن ضعف فهم الآخرين وضعف التعامل معهم سبب من أسباب تعدد القراءات وتتابعها، ومن أهم هذه الأبعاد إهمال الدروس والعبر المستفادة من الأزمات والقضايا التي مررنا بها عبر أزمان مضت.

أفسدت السياسة مجالسنا العائلية لصعوبة فصلها عن حياتنا اليومية، دخلت منازلنا وتوغلت بأذهاننا، فاستفحل الخلاف، وتزايدت سياسة الكيل بمكيالين، توالدت الأزمات وتفاقمت بسبب فساد الذمم وفساد الأخلاق، وضعف الإنتاج، وزاد الاستهلاك والعنف وقهر الشعوب وسيادة التفكير الأمني وتبديد الطاقات والتفريط في ثروات الأمة، وهذا هو نتاج غياب الديموقراطية الحقيقية، بقي علينا ألا نحكم على عقلية الأمة الكويتية بالجمود والتخلف، ونتناسى أننا أمة الإنتاج والوفرة والتفوق والتصدير، وليست أمة الاستهلاك والتقليد والتخلف والاستيراد من الآخرين.

 

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي