زين الشامي / طائرة إيرانية فوق إسرائيل... لماذا الآن؟

تصغير
تكبير
قبل أيام قليلة تبنى الامين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله مسؤولية الحزب عن العملية المتمثلة بإرسال طائرة استطلاع فوق أجواء اسرائيل، وقال ان تلك الطائرة «هي صناعة ايرانية وليست روسية». ولفت الى ان «اسقاط الطائرة امر طبيعي ومتوقع، والانجاز هو ان تسير مئات الكيلومترات في منطقة مليئة بالرادارات».

ربما ما زال هناك اليوم من يعتقد ان مثل هذه التصرفات المدروسة بعناية ولها غايات واهداف دعائية محلية وإقليمية، هي «بطولات» او «اختراقات» عسكرية كبيرة ضد «العدو» او انها ترمز الى قوة او تفوق ما يملكه حزب الله ضد اسرائيل. لكن الحقيقة ليست كذلك مطلقا، ان ما اعلن عنه نصر الله ما هو إلا إعلان سياسي او بروباغاندا سياسية وهي بروباغاندا من صناعة ايرانية مئة في المئة.

ان الغاية من وراء كل ذلك هو صرف الانظار عما يجري في داخل ايران نفسها وداخل سورية وحتى داخل لبنان حيث تتعرض طهران واداتها العربية المسلحة حزب الله للكثير من الحرج السياسي والشعبي بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية في داخل ايران بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية عليها وبسبب موقف القيادة الدينية والسياسية الايرانية التي اختارت الوقوف ضد ثورة الشعب السوري والدفاع عن نظام بشار الاسد ومساعدته ماليا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا.

وعليه فإن الجمهور اللبناني والعربي عموما، والايراني قبل ذلك، كانوا على موعد جديد بعد حادثة ارسال تلك الطائرة

فوق الاجواء الاسرائيلية، مع محاولة جديدة ومتجددة لكنها مكشوفة غايتها اعادة

خلق «عدو خارجي» او تضخيم عدو مفترض، هو اسرائيل، ثم ادعاء التفوق العسكري والتكنولوجي عليه في مجال الطيران

من اجل نفخ الشعور القومي الايراني او

حرف الانظار عما يجري في سورية، واعطاء دفعة معنوية لجمهور حزب الله الذي بات يعيش اليوم ظروفا لا يحسد عليها جراء المأزق السياسي والاخلاقي الذي وجدوا انفسهم به بعد انحياز قيادة الحزب الصريحة وغير الملتبسة الى جانب النظام السوري.

ان هذه «الدفعة المعنوية» باتت مطلوبة اليوم اكثر من أي وقت مضى لمقاتلي وجمهور الحزب الذين كان لديهم في تاريخهم وماضيهم القريب ما يفخرون به، الا وهو مساهمتهم في تحرير جنوب لبنان عام 2000 وهم الذين بذلوا تضحيات جسام. اما اليوم فربما هم يعيشون مأزقا صعبا بسبب وقوف الحزب وايران الى جانب نظام يقتل شعبه منذ عام وتسعة أشهر لمجرد ان السوريين طالبوا بالحرية والكرامة والتغيير والديموقراطية.

ان انحياز الحزب الى جانب النظام السوري وربما مشاركة عناصره في القتال الى جانب النظام تؤكدها تصريحات حسن نصر الله نفسه في المناسبة ذاتها التي اعلن فيها عن تبني عملية طائرة الاستطلاع التي حلقت في الاجواء الاسرائيلية. لقد قال نصر الله حرفيا بما يؤكد مشاركة قادة وعناصر من الحزب في الصراع الدائر في سورية ويمهد للاعلان لاحقا عن مثل هذه المشاركة: «الشهيد عباس والعديد من الشهداء الذين استشهدوا في مناطق على الحدود مع سورية.. هناك قرى سورية يسكنها لبنانيون على الحدود وهم من طوائف مختلفة وعددهم يقارب 30 الف لبناني...بعض هؤلاء الشباب ينتمون الى عدد من الاحزاب اللبنانية ومنها حزب الله واهل هذه القرى اللبنانيون هم من حزب الله وجزء منهم متفرغون في حزب الله».

ان هذه المقتطفات من كلام نصر الله عن وجود 30 الف لبناني يعيشون في سورية وبعضهم ينتمي الى حزب الله، ما هو الا التفاف مكشوف على حقيقة المشاركة العسكرية لعناصر الحزب في الصراع العسكري بين النظام السوري والمعارضة المسلحة، لا بل ان الاشارة الى الاف من اللبنانيين الذين يعيشون داخل سورية ما هو الا تمهيد للاعلان لاحقا عن هذا الانخراط وذلك بحجة الدفاع عنهم؟؟

اما الاشارة الأوضح على التمهيد للقتال والمشاركة الى جانب قوات النظام السوري وشبيحته فهي العبارة التي قال فيها حرفيا : «ان حزب الله لم يقاتل حتى هذه اللحظة الى جانب النظام السوري». ان عبارة «حتى هذه اللحظة» تنطوي على استعداد لاحق للمشاركة وتهديدا بالمشاركة، وتمهيدا للمشاركة.

انه لمن المؤسف ان الشعب الذي احتضن المقاومة اللبنانية وحمل صور نصر الله، وهو الشعب السوري بمختلف اطيافه، هو نفسه الذي يقف ضد اليوم الامين العام لحزب الله اللبناني، انه الشعب الذي قرر بعض من افراده تسمية ابنائهم باسم «حسن» تيمنا، وهو الشعب الذي وضع صور نصر الله ضمن اطارات انيقة داخل البيوت وغرف الاستقبال والمدارس والحوانيت، وهو الشعب الذي استقبل جمهور حزب الله بعد عدوان اسرائيل عام 2006 على لبنان، وهناك المئات من الاسر السورية التي فتحت بيوتها لجمهور الحزب وتقاسموا معه غرف النوم والاغطية والطعام والشراب وعلبة الدواء.

ان النهج الذي يمشي فيه السيد حسن نصر الله ليس له الا تفسير واحد وهو ان حزب الله لا يملك حرية القرار وما هو الا مجرد اداة في ايدي القيادة الايرانية التي لها مصالحها القومية ورؤيتها الخاصة لتطورات الامور في الدول العربية. انه لمن المؤسف ان من حمل البندقية يوما ما لتحرير ارضه من الاحتلال الاسرائيلي يحملها اليوم ضد جزء من اللبنانيين، وبها قتل لبنانيين حين اجتياح بيروت في 2007، وهو اليوم يلمح لاستخدامها ضد الشعب السوري الذي لم يقف ضد نصر الله بل ان نصر الله نفسه هو من وقف ضد خياراته ومعركة الحرية التي قرر خوضها ضد نظام الأسد.



زين الشامي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي