منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / حديثُ العقل والهوى...!

تصغير
تكبير
| منى فهد العبدالرزاق الوهيب |

وردت على ذهني تلك المعادلة التي برزت في حياتنا العامة منذ زمن سحيق، وكثير منا يجسدها في حياته اليومية، المعادلة تقول... أنت مخير فإما أن تستخدم عقلك من خلال التفكير المدعوم بمعرفة جديدة، وإما أن تستخدم هواك الذي هو عن الخير صاد، وللعقل خير مقاوم ومضاد، وحتما سيكون نتاجه قبح وسوء الأخلاق، ودمامة وفساد الممارسات، ألا يعلم الإنسان بأنه بالعلم والذكاء والتفكير المنهجي الصحيح المصقول بالمهارات يستطيع أن يظفر بما يريد؟!

كان حديثي مع عقلي هو سؤال يخالج نفسي. أليس من طبيعة الإنسان أنها طبيعة مؤجلة أو غير منجزة تمام الانجاز، وذلك بسبب الخصائص الروحية والعقلية والنفسية التي ورثها عن آبائه وأجداده؟! فردّ مجيباً أليس الله مَلَّكه الكثير من الاستعدادات والقابليات التي تؤهله وتمكنه من أن يختلف اختلافاً كبيرا عن أشخاص لديهم نفس الموروثات؟! فأجاب الهوى وقال.. أنا سلطاني قوي، ومدخلي خفي، وللعقول مريح، وإن كانت عليّ رقيباً.

وما جعلني أبحر في الحوار مع عقلي في أعماق المعادلة وأتبادل معه الحديث، ذلك الرجل الذي شاهدته وسمعته في إحدى القنوات التلفزيونية، عندما سأل عن تأييده لاستئناف العمل في المؤسسات الحكومية بعد إجازة العيد، فأجاب هواه بدلا من عقله أنه قرار غير صائب من الخدمة المدنية بمزاولة العمل ليومين بين عطلتين!! كلنا يعلم بأننا حينما نولد لا نملك أي مقوم أساسي من مقومات الإنسانية، فنحن لا نملك اللغة ولا المشاعر ولا معايير الصواب والخطأ، كما أننا لا نعرف ما هو نافع ولا ما هو ضار، ولا نعرف كيف نفرّق بين اللائق وغير اللائق وبين الآمن والخطِر... وعلينا أن نكتسب كل ذلك من خلال التربية والعلم والمعرفة.

وبعد أن فنّدنا ونظّرنا وأبحرنا في قاع المعادلة سألت عقلي ما هو المطلوب منا أيها العقل الحصيف الأريب؟ فأجاب قائلاً.. نحن لا نبرر لمن يتبع هواه في أفكاره وفي صنع قراراته وفي أفعاله، ولكن! بسبب تغير الظروف والمعطيات، كثير من المفاهيم والقناعات التي كانت صالحة للتوجيه والإرشاد لم تعد صالحة اليوم، وهذا يستدعي منا الانفتاح على الأفكار والمعلومات والملاحظات العلمية والمعرفية الجديدة والاستفادة منها على أفضل وجه ممكن، لكن من المهم أن ندرك في هذا السياق أن كل ما لدينا من اتجاهات ومشاعر وسلوكات لابد أن تنحصر بين الثوابت حتى لا تتصادم معها أو تخالفها في القصد أو السلوك.

إن من جملة ما فضلنا الله به على سائر المخلوقات ما نسميه بالرقيب الذاتي، أو الوازع الداخلي أو الضمير، ذلك الصوت الداخلي الذي يطلق أجراسا تارةً حاثاً وتارةً أخرى محذراً، إنه يحضنا على فعل المعروف، ورد الجميل بأحسن منه، ويحذرنا من أن نكون إمعة لذلك الهوى الخفي الذي يجعل العقول أسيرة، بعدما كانت أميرة، كيف بنا نرتقي بأنفسنا وببلدنا ونحن ما زلنا أسرى لثقافة الهوى والمبتغى التي تقهر العقل، وتذل النفس، وتجعلها تنقاد خلف الرجعية والتخلف، إلى كل من يطالب بالإصلاح والقضاء على الإفساد، والارتقاء في جميع المجالات التربوية والسياسية والاقتصادية والصحية والثقافية وغيرها، عليك أن تفكر بعقلك وتُحكِمه على أقوالك وأفعالك، المؤطرة بإطار الشرع، وتنبذ هواك الذي هو رائد من رواد الهلاك والردى، والعدول عن العلم والمعرفة.. قالوا في العقول كثيرا ولكني لم أرَ أصوب وأصحح وأنضج من هذا القول.. «العقل وزيرٌ ناصح، والهوى وكيلٌ فاضح»، اجعل من عقلك وزيرا على أفعالك وأقوالك، حتى ترتق المعالي بالتفكير المنهجي المنطقي السليم المصحوب بالمهارات كل حسب موقعه واتجاهه، ولا تبالي بمن يجعل هواه وكيلا يفضحه بكل قول وسلوك، ويشجعه على التواني والتقاعس عن كل واجب وطني يناديه.

 

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي