منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / رمضان الحقيقة !

تصغير
تكبير
| منى فهد العبدالرزاق الوهيب |

إن القرآن الكريم يهدف إلى بناء الإنسان، ولكن! يأتي هنا سؤال أي إنسان؟! ذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة ويعترف بها، ويبتهج عند العثور عليها، فيغير من تفكيره وأوضاعه وفق معطيات الحقيقة التي عثر عليها، وبما أن فهم الحقائق يعني أننا نعرف أنفسنا ونعرف المحيط الذي نعيش فيه، ونعرف سنن الله تعالى الماضية في خلقه، إذا فالحقيقة هي أحد أركان الحياة الإنسانية.

إن معرفة الحقيقة والاعتراف بها يشكل شرطاً أساسياً لتقدم البشرية وازدهارها، وشرطاً مهماً لتجاوز الكثير من المشكلات التي نعاني منها، الحقيقة هي الشيء الثابت يقيناً، وكثيرا من الحقائق واضحة الثبوت حتى لو لم نرها، وأيُ حقيقة نعيشها اليوم مثل حقيقة شهر رمضان شهر القرآن، فهذا الشهر من الحقائق التي بحثنا عنها واعترفنا بها وابتهجنا لأنها غيرت الكثير من أفكارنا وعدلت جماً من أوضاعنا وأمورنا.

إن لكل شيء وجوداً ماديا في الواقع ووجوداً معنويا في عقولنا، وهي الصورة الذهنية التي رسمناها عن ذلك الشيء أو الحكم الذي أصدرناه عليه، بالتأكيد نحن متفقون على الوجود المادي لرمضان لأنه واقع وها هو هلّ علينا بنفحات ومنحات ورحمات من رب البريات، ولكن ما نختلف عليه تلك الصورة الذهنية التي رسمناها في أذهاننا عن رمضان، هل كانت صورتك الذهنية تشخص واقع شهر رمضان؟ أي هل أنت مدرك بأنه دواء لكل داء؟! إن إدراك حقيقة رمضان تفتح أمامنا باباً لنقد أنفسنا ومراجعة أخطائنا وتشخيص أدوائنا وعيوبنا، وهي الحقيقة التي تحررنا من قيود الذنوب والتمادي بها، وكذلك تحررنا من التخبط الداخلي الذين نعيشه عند ارتكاب الأخطاء.

إن انعكاس شعور الإنسان بالجفاف والعطش أثناء الصيام، لهو تطهير وتمحيص النفوس وتهذيبها، وإن بحثنا عن حقيقة معنى رمضان لوجدناها تحمل في طياتها رضوان الله تعالى عن عباده الصائمين، ومغفرته جل جلاله للمخطئين، ورحمةً بالعبد المؤمن الذي صام رمضان مؤمنا إيمانا يقينيا، إيمانا لا ريب ولا شك فيه بأن كل عمل ابن آدم له ما عدا الصيام فالله يجازي به كيف يشاء، محتسبا أجره على الله، راغبا في الجزاء والأجر من الله تعالى، وما سمي رمضان إلا لرمضه للذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحات.

لقد حان الوقت لتتحرر من القيود، وتشكل في عقلك الصورة الذهنية لرمضان وفق معطيات واقع وحقيقة هذا الشهر، إن كانت صورته تمثل لك شهر الإكثار من النوم والأكل والشرب ومتابعة التلفاز، فهي كذلك، وإن كانت الصورة التي صورتها في ذهنك لشهر رمضان أنه دواء لكل مرض وداء قلبي ونفسي وعضوي، فاغتنم الفرصة لتناول جرعات مكثفة من هذا الدواء، بأسلوبك وطريقتك التي تتواءم مع نفسك وتراها مناسبة لمحيطك، فلا تتردد وابدأ من اليوم بأخذ الجرعات كل ساعة تلو الأخرى لتفوز بالمغفرة، والرحمة، والعتق من النيران والفوز بالجنان.

لم يبق لك إلا أن تبحث عن حقيقة رمضان بمنهاجك ونظامك الذي يتلاءم مع فطرتك وجبلتك، لتغير من تفكيرك وأحوالك، وفق معطيات شهر البركات، ففيه ليلة من أحياها بالقيام إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من ذنبه، وفيه عشر ليال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت أحيا الليل وأيقظ أهله وجدّ وشدّ المئزر، لتكون مخرجاتك بإذن الله تزكية وتطهيرا لنفسك للارتقاء بها إلى معالي الدرجات، والفوز بجنان الفردوس، وفي الختام نقول «اللهم سلمنا لرمضان وسلم رمضان لنا وتقبله منا سالما».

 

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي