تتحكم التكنولوجيا اليوم في حياتنا. الساعة التي تحيط بمعصمك والشاشة التي تشكل دماغك والسيارة التي تقلك الفضاء الرقمي الذي يظلك!
العالم بين يديك. ينقل اليك ضجيج الحياة. مسراتها ومساراتها. لا يجعلك تهدأ ابداً. ان اندلعت كارثة في الشرق تبعتها اختها في الغرب، حريق الاطارات... يسكته حريق في قطر! ومذبحة الاطفال في الحولة، تهمشها سقوط طائرة في نيجيريا! هكذا نحن اذن. لا نقف ولا نستريح والاحداث متتالية متتابعة، والانسان الرقمي خلفها مختطف البصر والفكر والحركة!
هنا في الكويت اصبح الانسان كالآلة او جزءاً منها! يدور معها... لا يفكر... لا يقرر... يجري معها بسرعة توقف الارادة الذاتية... وتمحي اختيار الانسان.
ابن الآلة هذا، هو المحلل السياسي والرياضي والمفكر والقانوني والاديب والشاعر والفقيه... وهو قبل كل ذلك الوطني! هو الحقيقة المطلقة وغيره الباطل او المشكوك فيه! تتدفق المعلومات عليه من كل حدب وصوب، من الشرق والغرب، غير صافية او نقية، وتويتر غني عن التعريف! تغزو دماغه الصغير، تفتت امسه الجميل، تبعثر تراتيب الماضي، حيث الهدوء والصفاء، لا يملك القدرة على التصفية، ولا يجيد تسكين الكرة...! يتشتت ذهنه فتبتلعه تسونامي الاعلام وتصرعه تجاذبات المجتمع وخدع اسواق المال، فيهرول لاسهل ضحاياه، مجلس الامة ومسرح السياسة...! فيجعله نوابه على مقصلة التبرير... وفأس الشكوى! ويرد نائب الامة التحية بأحسن منها فيرفع الوية الاستجواب، فتدور طواحين الامة، ولا عزاء، والكل في تعب، وفي سير شاق، لا يستريح!
هنا يعود ابن الالة الى نفسه من جديد، يكفر بكل تقدم ومدني ويلعن كل تقني ورقمي، فإن كان شاعرا ابدع في الهجرة الى الماضي والوقوف على اطلاله، وبكى على الفريج والسكة والدروازه! وان كان كاتبا شتم الحريات والعولمة والتغيير والدستور...! وان كان لاعبا ترحم على بطولات الخليج وايام الشهيد...! وان كان مفكرا فيلسوفا ردد:
تعب كلها الحياة فما اعجب... الا من راغب في ازديادِ
وفي اجواء السياسة المحلية ينخرط ابن الالة في الجو العام، الملوث، الحقيقة فيه غائبة وهي مرة على كل حال...! فيعلو الصراخ والاتهام والناس في سباق بعيد، الكل يتكلم بحجته وبقوته فداء للوطن...!! البريء!
اننا ابناء العصر الرقمي التقني لا نملك شيئا سوى ان نردد ما يمليه علينا سادتنا وكبراؤنا..
الآلة الحديثة تسيطر على ادمغتنا... لمصالحها التجارية والسياسية مسلوبي الارادة ومقيدي التفكير والاختيار وان ظهر لنا خلاف ذلك... نأكل ما يزرعون ونلبس ما يخيطون ونقرأ ما يكتبون فنقرر ما يملون!!
نحن ابناء الآلة ولا فخر... فليت قومي يعلمون...
د. مبارك الذروه
@ Dr_maltherwa