العالم اليوم يعيش كالغابة القوي فيها يأكل الضعيف، ويصدق فيه المثل القائل «إن لم تكن ذئبا بالت عليك الثعالب». فمن ملك القوة فرض نفسه على الآخرين، ومن لم يجمع مع القوة الأخلاق صار مفسدا. دمرت أميركا مدينتين يابانيتين بأطفالها ونسائها وشيوخها بقنبلتين ذريتين لتحسم المعركة، واستخدمت الفسفور الأبيض، باعترافها، في الفلوجة، أهلكت روسيا في الشيشان الحرث والنسل، وقتل اليهود الآلاف في جنين وغزة وبقية أرض فلسطين، استخدمت أنظمة قمعية القوة في إسكات المعارضين، واستغلها بعض المجرمين لأكل حقوق المستضعفين.
لذلك أحتاج أهل الحق أن يمتلكوا القوة، لردع الظالمين وإيقاف المفسدين وطرد المحتلين، فبها طُرد الروس من أفغانستان، وأُخرج اليهود من غزة، وخرجت أميركا من العراق بعد أن منيت بقتل 4500 فطيس من جنودها، هذا المعلن ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين.
بالقوة استطاعت الشعوب إسقاط طغاة تونس ومصر وليبيا واليمن، وهي في طريقها لإزالة نظام الإجرام في سورية، بالقوة استطاعت الفتاة أن ترتدي حجابها في تونس بعد الثورة، وتمكن الشاب من أداء صلاة الفجر بأمان في مصر.
عندما قال تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، إنما أراد أن يكون المؤمن عزيزا مقداما شجاعا، لا يرضى بالذل ولا يقبل أن يهان، يأتي رجل إلى رسول الله يسأله عن كيفية التعامل مع من تسلط عليه ليأخذ ماله، فيأمره عليه الصلاة والسلام ألا يعطيه ماله حتى ولو بقتاله، فإن قُتل صاحب المال فهو شهيد، وإن هو قتل المعتدي فمصير المجرم النار.
في عصر قوة المسلمين جاءت رسالة إلى هارون الرشيد من ملك الروم يخبره أنه قد تولى الحكم بعد إزاحة الملكة، وبأنه سيوقف الأموال التي كانت تدفع للمسلمين، وأن عليهم إرجاع ما تم أخذه من قبل، فاشتد غضب هارون وكتب علي ظهر الكتاب نفسه: «من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه»، ثم سار إلى مدينة الروم وحاصرها حتى صالحه الملك على دفع خراج يؤديه كل سنة.
وعندما فقد المسلمون القوة، صاروا كالقصعة التي تكالب الجياع على أكلها، فاقتُطعت تيمور الشرقية من أندونيسيا، وانفصلت الجنوب عن السودان، واحتلت فلسطين وافغانستان، ومُنعت المنقبات في فرنسا، وحُظر رفع المآذن في سويسرا.
عندما نتكلم عن القوة فلا نعني قوة السلاح فقط، بل إن كلمة الحق عندما تقال ربما كان صداها أقوى من قوة السنان، أُسقط زين العابدين، وحسني، وعلى صالح، ولم يطلق المتظاهرون رصاصة، ومن قتل منهم فهو شهيد بإذن الله، فسيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله.
في الكويت احتجنا إلى قوة الموقف وثبات المبدأ لمواجهة الفساد الحكومي، وبالفعل تحقق شيء من الإصلاح، فأسقطت الحكومة وحُل المجلس، وأُحيل أصحاب الحسابات المتضخمة إلى النيابة.
رسالتي نحن مقبلون على مرحلة انتخابات، وسيختار الناس من يمثلهم ويدافع عن حقوقهم، ويقف في وجه أصحاب المصالح الشخصية، فلنختر من يقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم وليكن شعارنا «إن خير من استأجرت القوي الأمين».
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Twitter : @abdulaziz2002
[email protected]