منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / مِن أَجْـلِها!

تصغير
تكبير
يقول الكواكبي رحمه الله: «إن الهرب من الموت موت، وطلب الموت حياة، وإن الخوف من التعب تعب، والإقدام على التعب راحة. إنها فلسفة عظيمة من أجل حرية، وأي حرية؟! حرية النفس من النفس ذاتها، وحرية الفكر من الحكر والتضييق على الأفكار وإلزامها بفكر أوحد قد يكون متراجعاً متخلفاً، وحرية الجسد من الظلم والاستبداد.

من خلال كلماتي وسطوري سأُنظّر وأفند وجهة نظرنا من مفهوم الحرية، في البداية من أراد أن يتحدث عن الحرية ويجعلها واقعاً وحالاً يعيشه، ومقالاً يجسده بأفكاره وسلوكه، لابد أن يبتعد عن الغموض والالتواء، إن الحرية معطيات وثمرات ونتائج الأنظمة السياسية المتبعة في كل دولة، فالحرية أثمرت نموذجاً من العدالة والمساواة بين أفراد البلد، بتجاهل التمايز بين الناس بتصنيفات خارج نطاق مفهوم الحرية، من وجهاء، وطبقات مخملية، وطبقات محدودة، وطبقات فقيرة، وغير ذلك.

إن الحرية ليست ممارسة بمطالبات فقط، هي دستور حياة يجب على كل فرد يعيش على أرض إقليمية يحكمها حاكم ويديرها نظام أن يجعل للحرية مواد وقوانين تمارس على أرض الواقع، حتى لا يأتي علينا يوم نهرب من الموت إلى الموت بسبب ظلم، واستبداد النفس على النفس قبل أن يكون الظلم أتاه من نظام أو حكم، لأن النفس هي من تقيد وتأسر نفسها بمفاهيم ومبادئ وقناعات ما أنزل الله بها من سلطان وتصبح أسيرة لها، وما إن تستسلم النفس وتنقاد إلى تلك المضامين والمدلولات التي تشربتها إلا يأتيها ظلم الآخرين من بين يديها وخلفها.

ترتكز الحرية على أساس متين وشديد هو الموازنة بين استقلالية النفس من عبودية النفس، وتحرير وتخليص النفس من عبودية الأنظمة، من منا لا يضع ميزان لجميع أمور حياته صغيرها وكبيرها دُقَها وجُلها؟! كيف ينسى أو يتناسى ميزان الحرية الذي وضع وأسس بمقاييس ومعايير عالية الجودة، تستند على ثوابت وأصول جذورها صلبة قوية لا تتأثر بتعرضها للأحوال السياسية المضطربة والمتوترة والمشحونة بغيوم الطغيان والاستبداد.

لم يبق لنا إلا أن نَقْدم على التعب لنرتاح برفع الجهل والقهر عن الأمة، وتصوير الحرية بأروع صورة وهي تقديس الحرية المقننة بدستور وقوانين إنسانية ترفع الظلم عن النفس للنفس، وقوانين دولية ترفع الاضطهاد والإجحاف الممارس من الأنظمة ضد الشعوب، بقمع حرية الفكر، قبل حرية السلوك، فالممارسات ممنوعة ومحظورة أياً كان نوعها، سواء كانت ممارسات فكرية أو شعورية أو سلوكية، وتسمية الحرية باسمها الحقيقي المستقاة من مفهومها الأصلي وليس المزور والمبطن بأسماء مرجفة كاذبة، لتعتيم وتضليل الشعوب بمسميات وشعارات تنطلي على كل ساذج لا يعي من مفهوم الحرية إلا التعبير والممارسة الخاطئة للحرية، والمعارضة والرفض لأي منهج أو أسلوب متبع في الأنظمة حتى وإن كان هذا المنهاج هو من يجسد ويشخص الحرية والاستقلالية بمفهومها المقيد بقواعد الشرع الأساسية.

إن الحرية السياسية لا توجد فيها نزعة فردية،ومفهومها الحقيقي عند المسلمين أخذ يجذب أنظار كثير من المفكرين غير المسلمين ويبهر عقولهم، لأننا نرى الحرية التزاماً للإنسان إزاء قومه ومجتمعه، بقدر ما هي تحرر لهذا الإنسان، فنحن نرى أن الإنسان الحر مالك لنفسه، ومملوك لقومه، فلا يظن أحد منا أن الحرية وافدة إلى مجتمعاتنا العربية المسلمة من لدن الحضارة الغربية الحديثة، فهي بناء فكري شامخ في العروبة تأصل مفهومه لثمة ألف وأربعمئة عام، ونفخر بها ونناضل من أجلها ونصارع في سبيل نيلها فهي الحياة بأكملها.





منى فهد عبدالرزاق الوهيب

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي