يعتبر رجب طيب أردوغان قائداً تركياً استثنائياً، استطاع خلال فترة قصيرة أن ينهض بالاقتصاد التركي إلى مصاف متقدمة، ولذا حاز على ثقة الأتراك في انتخابات الرئاسة مرات عدة، وقد سئل ذات مرة عن سر النمو السريع للاقتصاد التركي في فترة قصيرة، فكانت إجابته أسرع مما يتوقع السائل حينما قال: المسألة ببساطة إنني لا أسرق!
كما استطاع رجب طيب أردوغان بدعم كبير من عراب السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية «العمق الاستراتيجي»، أن يجعل لتركيا موطئ قدم راسخة في الشرق الأوسط الجديد، حيث أصبح لاعباً أساسياً في كل المعادلات السياسية في المنطقة، سواء في العراق أو إيران أو سورية أو العدو الصهيوني (إسرائيل).
إن الاستراتيجية الجديدة لتركيا بزعامة أردوغان ووزير خارجيته وأستاذه أوغلو، حولت تركيا من مجرد (جسر) بين الشرق والغرب، إلى (محور) يمكن الاعتماد عليه كحلقة وصل بينهما، حيث استطاعت بامتياز أن تصبح عنصراً مقبولاً (مبدئياً) ضمن دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن كانت عنصراً غير مرغوب فيه، حيث استطاع أن يهمش دور العسكر في العبث بالعملية السياسية التركية، كما كان أيام نجم الدين أربكان رحمه الله وحزب الرفاه، عدا بعض الملفات الداخلية كالأكراد.
وقد استطاعت تركيا بزعامة أردوغان أن تلعب دورا مهماً في لفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية عن طريق رعاية ودعم أسطول الحرية الذي انطلق من سواحلها وهو يضم مشاركين من كل أنحاء العالم من شتى الديانات والتوجهات الفكرية، خصوصا بعد العربدة الإسرائيلية في التعامل مع ذلك الأسطول الذي حاول فك حصار غزة.
ورغم ما ذكرته أعلاه، فإنني أستغرب من بعض العرب، خصوصاً من ذوي التوجهات الإسلامية، ممن علق آمالا كبيرة على أردوغان كأسطورة، وأنه القائد المنتظر للأمة الإسلامية، ونسوا أو تناسوا، أن السياسة التركية تحكمها المصلحة التركية بالدرجة الأولى قبل مصلحة العرب أو حتى مصلحة المسلمين، وهذا يبدو واضحا من موقفهم المعارض لتدخل حلف الناتو في ليبيا، والذي انقلب 180 درجة بعدها بأسبوع، ومحاولاتهم الحثيثة للإبقاء على النظام السوري بعد شهور من عنجهيته وقتله للمئات والآلاف من الشعب السوري البطل، تلك المحاولات التي لم تتوقف إلا بعد تدخل الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي في الموضوع، وذلك حفاظا على المكتسبات التركية من جراء انفتاحها على الجار السوري.
إنني هنا لا أقلل من شأن «حزب العدالة والتنمية» التركي أو زعيمه رجب طيب أردوغان، ولكني ألفت نظر المتعاطفين معه إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن عالم السياسة لا مجال فيه للعواطف، ولا يمكن أن نكتفي فيه بخطابات حماسية ونارية ومواقف في مؤتمرات كما يفعل أوردوغان، فأردوغان وأستاذه أوغلو لا يمكن أن يقدما مصلحة الشعوب العربية أو الإسلامية على مصلحة تركيا.
كما أتمنى كعرب أن نتخلص من عقدة القائد المخلّص الذي ننتظره لينتشلنا مما نحن فيه من تخلف وتبعية، وأن نستثمر الثورات العربية في البناء والتنمية، بعد أن أدت دورها في إسقاط أنظمة قمعية سرقت مقدرات الأمة ردحاً من الزمن، فثورة البناء والتعمير أكثر أهمية من ثورة الهدم، وعلينا كذلك أن نتعلم من الأتراك كيف تكون لنا سياسة خارجية وعلاقات دولية تقوم على التعاون المشترك بعيداً عن العواطف.
د.عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter : @Dralsuraikh