عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / الخونة إلى المزبلة

تصغير
تكبير
من أقبح الألقاب التي قد يوصف بها إنسان كلمة (خائن) ولذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من الخيانة فيقول «... وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة».

ويعظم أثر الخيانة مع عظم المسؤولية التي يحملها صاحبها، ومن خلال نظرة تأمل، ستتكشف لنا صور متعددة من هذه الخيانة، فخيانة الرئيس والزعيم لا تقارن مع خيانة الفرد البسيط وإن كان الاثنان مذنبين، فعدم السعي لتحكيم شرع الله في الناس خيانة، واختيار شخص غير كفؤ خيانة وفي الحديث «من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». عدم مراعاة أحوال الناس وتحقيق أفضل سبل الراحة والأمن لهم خيانة، لذا كان عمر بن الخطاب يخشى أن يسأله الله تعالى عن بغلة قد تتعثر في العراق لمَ لمْ يسوي لها الطريق، ومن غش رعيته فلا يلومن إلا نفسه فما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.

والعلماء ورثة الأنبياء وقد أخذ الله تعالى عليهم الميثاق في قول الحق وعدم كتمانه «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه». ومن أفضلهم من جهر بالحق وإن أدى ذلك إلى قتله، فسيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله، هكذا أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام، وسكوت العالم عن قول كلمة الحق تجعله يتحول إلى شيطان أخرس، وتعظم جريمته إذا كان السكوت مقابل شيء من حثالة الدنيا، فيبيع آخرته من أجل دنياه، ولا يخفى عليكم حال مفتي بشار، وقبله حسني، والقذافي.

ومن صور الخيانة أن ينحرف من اختاره الناس ليمثلهم عن الهدف الذي انتخب من أجله، فالناس صوتت لنواب مجلس الأمة كي يدافعوا عن حقوقهم ويناصروا قضاياهم، ويرعوا مصالحهم، ويحاسبوا المقصرين في السلطة التنفيذية، ويشرعوا القوانين التي تخدم البلاد والعباد، ولكن كما أظهرت الفضائح الأخيرة أن بعض النواب خان القسم الذي ابتدأ به حياته البرلمانية، وخان العهود التي قطعها أيام الحملات الانتخابية، وخان كل من وضع فيه الثقة وأعطاه الصوت، يوم جعل كرسي البرلمان طريقا للتكسب والانتفاع الشخصي، فأعمت الملايين بصره وأماتت ضميره وألجمت لسانه، وأقول لمثل هؤلاء كم ستبقى في المجلس؟ سترحل كما رحل غيرك، ولكن هناك من قيل له كثر الله خيرك وبيض الله وجهك، وأما أنت فماذا تتوقع أن يقال لك؟

وخيانة الأوطان من أقبح صور الخيانة بأن تكون عميلاً أو جاسوساً لعدوها، فتنقل الأخبار وتكشف الأسرار، وتشعل الفتنة وتنشر الفرقة، وقد عانت الأمة العربية والإسلامية من أمثال هؤلاء عبر تاريخها، فبدءا بابن سلول ذلك المنافق الذي سعى للفتنة بين المسلمين، وكان من صور خيانته الانسحاب من غزوة أحد ومعه ثلث الجيش من أتباعه، ومروراً بابن سبأ، والذي نجح في إشعال الفتنة وتجديدالقتال بين جيش علي ابن أبي طالب، وجيش طلحة والزبير بعد أن اتفقا على الهدنة ووضع السلاح، وتذكرا لابن العلقمي ذلك الباطني الذي كان وزيرا للخليفة المستعصم بالله العباسي، إلا أنه غدر به بتسهيل دخول قائد التتار هولاكو إلى بغداد ليفعل بها الأفاعيل، ويرتكب فيها المجازر التي ما زال التاريخ يتحدث عن فظائعها.

قد يتخفى العميل وراء منصب وزاري، أو زي عسكري، أو قلم صحافي، أو شهرة فنية، وقد يفرح بما يمنح له من أعطيات إلا أنه سيبقى مُهاناً وإن لبس التيجان، وسينكشف أمره لا محالة، وسيكتب سجله في مزبلة التاريخ.

بعد دخول هولاكو إلى بغداد جاء ابن العلقمي لأخذ مكافأته وكان يطمح في الحصول على منصب، إلا أن هولاكو قال له من خان وليّ نعمته لا يؤتمن، ثم قام بقتله، فهل من متعظ؟





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

Twitter :@ abdulaziz2002

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي