كثيرا ما نفتخر عندما نتحدث عن مساحة الحرية التي نعيشها في بلادنا، فمن إعلام حر يسمح بطرح الأفكار دون تحجيم، ومن مساحة كبيرة في إمكانية النقد لأي اعوجاج أو تقصير يصدر من بعض أعضاء السلطتين التشريعية أو التنفيذية وحتى من هم على رأسها، ومن تمكين للشعب في أن اختيار ممثليه دون ضغط أو ترهيب من بلطجية أو شبيحة، وليس هناك على الأقل فيما يظهر تزوير في نتائج الانتخابات، وحتى مع وجود بعض التدخلات من بعض الأطراف، والتي كادت أن تشوه جمال الصورة لهذه التجربة، إلا أن الكويت تعتبر في مقدمة الدول العربية في مجال ترك الحرية للشعب في اختيار من يمثله.
وفي اعتقادي أن هذه التجربة كي تتجه نحو الأفضل، فإنه لابد وأن تسن بعض القوانين التي تسهم في جعل عضو مجلس الأمة أكثر شفافية في أداء دوره، دون تأثر ببعض العوامل الخارجية.
فالنائب الذي لديه مكتب محاماة أو له شراكة فيه، هو معرض لما يؤثر في أداء دوره الرقابي والتشريعي على الوجه المطلوب، فقد لا يستبعد أن يستغل النائب المحامي نفوذه أو علاقاته لمصلحة موكله، فربما من خلال سلطته وعلاقته بالوزراء المعنيين يتمكن من رفع منع السفر أو الإبعاد عن بعض المخالفين ممن وكل مكتب ذلك النائب المحامي للدفاع عنه، خصوصاً إذا كانت حصة الأتعاب قريبة من 150 ألف دينار كويتي. فيكون النائب المحامي قد استغل منصبه في تحقيق مكاسب شخصية وإثراء قد تعتريه شبهة، على حساب ضبط النظام ومحاربة الفساد.
وبعض الأعضاء قد يكون عضواً في إحدى الشركات أو المؤسسات، ثم يستغل نفوذه في الحصول على مناقصات، أو السكوت عن مخالفات لأنها قد تتعارض مع مصلحته الشخصية، ولذلك كان من الواجب، أن يمنع النائب من الجمع بين العضوية في مجلس الأمة وبين عضوية الشركات والمؤسسات.
مكافآة النواب
بعد موافقة اللجنة التشريعية في مجلس الأمة على زيادة مكافأة أعضاء المجلس لتصبح 5750 د. ك، بدلا من المكافأة الحالية 2300 د. ك والتي لم تتغير منذ مجلس 1992، تعرض النواب المؤيدون لهذه الزيادة إلى هجوم واسع من قبل بعض المواطنين والذين رأوا أن هذه الزيادة مبالغ فيها، ومن باب الإنصاف لابد من القول ان المكافآة التي طالب بها النواب إنما هي من باب المساواة مع الوزراء والذين تصل مكافأتهم إلى 100 ألف دينار سنوياً، أفلا يستحق النائب وهو الرقيب على الوزير أن تكون مكافأته على الأقل مساوية مع الوزير.
ثم إن النواب يتعرضون لمغريات يسيل لها لعاب من هانت عليه نفسه والتي تأتي من بعض أصحاب المصالح والنفوذ، ويتم تقديمها مقابل تخلي النائب عن دوره الرقابي، أو التخلى قليلاً عن نزاهته، أو كي يقف في التصويت مع جهة ما، أفلا نعين هذا النائب على صيانة نفسه عن مثل هذه المغريات.
إن كثيراً من النواب لم يولد وملعقة الذهب في فمه، ولم يرث ملايين من والده، وقبل حصوله على كرسي النيابة، كان يعتمد بعد الله على الراتب، فلما أصبح عضواً كثرت المسؤوليات وازدادت العلاقات، وأصبح البعض منهم يدفع من جيبه الخاص عندما يأتيه من يطلب عونه، وأتذكر بالمناسبة أن أبا بكر الصديق لما تولى الخلافة، توجه إلى السوق ليتاجر وليعيل أهل بيته، فاعترض عليه الصحابة وطالبوه بالتفرغ لإدارة شؤون المسلمين على أن يخصص له مبلغ من بيت المال بما يكفي لإعالته وأهل بيته، وبما أننا نطالب النواب بأن يفكوا ارتباطهم ببعض المؤسسات التجارية، كي لا تتعارض مع دوره الرقابي والتشريعي، فعلى الأقل من باب العدل والإنصاف أن نقبل زيادة مكافأتهم كي يعفوا أنفسهم وأسرهم.
وللتذكير فإن زيادة مكافأة النواب لا يستفيد منها العضو الحالي وإنما تطبق من الفصل التشريعي المقبل، كما أن العضو يحرم منها بمجرد انتهاء عضويته.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
[email protected]