بعد ما رأيت الواقع بصورته كما هو من دون تهويل أو خداع أو مبالغة وبنظرة محايدة، واستفدت من تجارب الآخرين في قراءة الواقع، وسخرت جميع السبل المتاحة لفهم الواقع فهماً عميقاً، وحتى نكون منصفين في ما قصدناه وذهبنا إليه من تحليل ودراسة واقعية لمبدأ من مبادئنا استقيناه من الشرع، مبدأ ينظم ويسيّر حياتنا من دون مقاساة ومعاناة، لما يعترضنا من مواقف وأحداث ومشكلات يومية نسعى لاحتوائها وإيجاد الآليات والأساليب التي تساعدنا وتعاونا على حلها، من دون خسائر وأضرار معنوية، وهذا المبدأ الرفيع الفخم الذي أوجد لنا منظومة وأسلوب حياة راسخة وثابتة لا تتغير بتغير الأزمان والأشخاص، لو اعتمدناه وسيرناه كدستور لحياتنا لهانت واستسهلت المكابدة التي خلقنا فيها ولصلح حالنا في الدنيا والآخرة.
ولقد كانت حصيلة قراءة الواقع إعداد بحث علمي قبل مدة من الزمن، وكان السبب الرئيسي للإعداد عن هذه الشميلة من الشمائل المحمدية ألا وهي الصدق لتجارب خضتها وخاضها الآخرين مع أطراف أخرى وكنا نعاني من عدم المصداقية والوفاء بالقول والفعل، وخشية منا أن يأتي زماناً تختفي فيه هذه القيمة ولا تتداول بين البشر بل تذهب هذه الشميلة مع الريح وتصبح هباءً منثوراً وترفع من الأرض. لو أقمنا حياتنا على هذه الشميلة الرفيعة والصفة العظيمة بأساسها القوي المتين على أمورنا كافة، وجعلنا الصدق والوضوح والشفافية صمام الأمان لنا في أقوالنا وأفعالنا وجميع سلوكياتنا، لما رأينا الفساد ينتشر بأشكاله المتعددة والمختلفة، ولرأينا البشر متوافقين منسجمين ولا توجد بينهم خلافات ولدبرت شؤونهم وتحسنت أوضاعهم، ولما رأينا الثورات تقام ضد الأنظمة، ولما رأينا الخلاف يسود العالم بأكمله بين البشر، ولقد ساد الخلاف حتى بين العلاقات الاجتماعية في جميع مراحلها، والسبب ذلك الداء المعدي المناقض للصدق، وكل ما يعترضنا اليوم من أزمات وملمات علته ذاك الفساد الذي استشرى وعم، وانتشر وسادت في المجتمعات صفات وسلوكيات مذمومة شرعاً وعرفاً مثل الغش والكذب والخيانة.
وإن أهم ما تم استنتاجه واستنباطه من البحث المعد أن هذه الخاصية أصبحت ميزة ومعيار تميز البشر عن بعضهم البعض، ليس فقط اللون والجنس والعرق والدين هم من يميزون البشر، فلقد أصبح الصدق من أحد مقومات التمييز الرئيسة والمعايير الأساسية للقياس بين البشر أياً كان لونهم وعرقهم وجنسهم ودينهم، إن الصدق هو ذاك المنهج الرفيع الذي يكفي الإنسان الوقوع بالخطأ والإحراج ويلبسه ثوب الهيبة والرفعة.
كثير ممن تعاملنا معهم يعتقدون أن عدم المصداقية هي من تعالج وتداوي أحداثهم اليومية ومشكلاتهم مع الآخرين، ويؤمنون أن عدم الوضوح والشفافية هما الغارب السحري الذي يلبي لهم كل ما يتمنونه، ويبقى سؤال يطرح نفسه عزيزي القارئ، لماذا لا يكون الصدق صبغة لنا نصطبغ بها؟ وماذا يضرنا لو جعلنا الصدق هو العائل الرئيسي الذي يعولنا وينقذنا من عنان العيش للمضي في الحياة بهناء وبركة ونماء مغبة هذه الشميلة العظمى.
فلنبدأ بداية جديدة بحيث نجعل الصدق سيد حياتنا، ونبادر بمبادرة فريدة في مجتمع متميز فعال ومؤثر على المجتمعات الأخرى، ويكون الصدق في حالنا قبل مقالنا ومقامنا، ويكون بصمة وأثرا لنا أين ما وجدنا، ونكون نحن القدوة والأسوة التي يحتذى بأثرها، وحتى نتجنب كل ما يحدث الآن في العالم من صراعات وثورات متتالية، وحتى نتحاشى ذلك الداء فلتصدق قلوبنا قبل ألسنتنا ولتكون بدايتنا مشرقة مشرفة لبناء مستقبل جديد خال من الغش والكذب والخيانة، وإلا سيذهب الصدق الذي هو صفة الرقي والارتقاء مع الريح ونقول على الدنيا السلام.
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib