مبارك الهزاع / محقان / عندما تُنتزع الإنسانية فأبشر بعالم الحيوان

تصغير
تكبير
منذ سنين ليست ببعيدة، بدأ لفيف ممن يسمون «ناشط سياسي» باستخدام كلمات وافكار هدفها التحقير وسلب الصفة الانسانية من البشر وهذا امر خطير، ويجب التصدي له بأسرع وقت، فكلمات مثل طراثيث وبيسري ومجوس وحيتان وهيلق ونواصب ورافضة، يجب ان يكون لها رادع من قبل الحكومة ومجلس الامة والسلطة الرابعة، لان الاثر سيكون بالغ السلبية على مستقبل الدولة ومواطنيها فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

ظهرت قصة الجندي الاميركي - الذي قتل عائلة عراقية واغتصب طفلة عمرها 14 سنة وقتل اختها البالغة 5 سنين ومن ثم قتل الام والاب وحرقهم جميعا- مما شكل صدمة مهولة لكثير من المراقبين، فكيف تصل الهمجية في اي انسان ان يفعل كل هذا وكيف تطور ليصبح حيوانا بشريا انعدمت منه الانسانية. يقول الضابط الاميركي: «أنه عند وصوله إلى العراق، تدرب ليقتل، وقد ساهم العنف المتفشي والتعليقات المهينة من قبل جنود أميركيين ضد العراقيين، في سلب آدمية السكان المدنيين في ذلك البلد، في نظره». الضابط الأميركي يقر بأن ما دفعه هو انعدام الصفة الانسانية للعائلة العراقية، بسبب بعض من الكلمات التي تكررت على مسامعه لفترة كان سببها الكره، وهدفها تصوير الانسان على انه شيء لا يستحق الاحترام او المعاملة الانسانية.

وفي ايام الحرب الاهلية في رواندا و قبل بدء المجازر، التي أودت بمئات الآلاف من الضحايا بدأ لفيف من قبيلة التوتسي باستخدام احدى الكلمات التي تنتزع الصفة الانسانية، فأصبحوا ينادون قبيلة الهوتو «بالصراصير» عبر الأحاديث الجانبية وتطورت لتصل للراديو والتلفاز والصحف، حتى اصبح تكرارها امرا طبيعيا، ما سهل من عملة التطهير العرقي الذي ادى الى مئات الآلاف من القتلى، فالجميع زرع لديه الانطباع ان من قتل شخصا من الهوتو لن يلقى استنكارا كونهم مجرد صراصير!

في أهم الافلام الوثائقية بعنوان «Reel bad arabs» و«Occupation 101»، اللذين يوضحان كيف ان للاعلام الصهيوني القدرة على تغطية المجازر التي تقع على الفلسطينيين، بسبب ما يعرضه الاعلام من تهميش للصفة الانسانية للفلسطينيين، ليسهل قتلهم وتصبح النفس البشرية لا تشكل الا رقما في موجز الاخبار. ويشير الفيلم الاخر طريقة تصوير العرب لمدة 60 سنة في افلام هوليوود على انهم قوم تكثر لديهم الخزعبلات وتتمحور حياتهم حول القصص الخرافية والرقص الشرقي وتدريب الافاعي، واصبحوا الان خاطفي طائرات ومجرمين وعديمي الانسانية، بل حتى اطفالهم وحوش صغيرة والتبرير دائما عند ويهك «شاهد فيلم Rules of engagement»، مما اعطى انطباعا ان الشرق الاوسط مكان للمتعة والنظر الى ما هو غريب، بل خطر ومسكن للاشرار ايضا، فكيف بعد كل هذه السنين من غسل الدماغ لتلك الشعوب نريد من الغرب ان يأخذوا قضايانا على محمل الجد؟ ان تسفيه وتقليل القيمة والصفة البشرية يؤدي الى ما يتفق مع تلك الصفة المستحدثة، فتسهل بعدها عملية القتل والظلم والاغتصاب، وكل ما لا يخطر على بال أحد أن يحدث سيحدث بكل سهولة بل ودون ندم.

ان ما تفوه به احد النواب بأن ما حدث للدكتور عبيد الوسمي، أمر لا يستدعي الاستنكار هو مقدمة خطيرة يجب ان نفهم تبعاتها، فالمصالح الشخصية والتي بينها النائب المحترم نفسه بلا خجل، بان الحكومة تستطيع ان تكافئ من يقف معها! لن تردع شرخا كهذا ان حدث، فالنتائج كما وضحنا كارثية وستؤدي الى ما لا تحمد عقباه. لا اقول اننا نتجه الى ما حدث لبعض الدول من تطهير عرقي ولكن انا على يقين ان ما يحدث من افعال مبنية على الكراهية، ستؤدي الى كفر المجتمع باهمية التعايش مع الاخر والذي بدوره سيزيد من الظلم بين الناس وبغضهم لبعض وحسد احدهم الاخر على ابسط الحقوق وتخوينهم على اتفه الامور، فالذين يمثلون الامة يرون بان انتهاك الصفة الادمية للانسان هو عمل غير مستنكر ولا ضير فيه! فماذا سنرتجي منهم مستقبلا؟

لا يهمني ان كان ما حدث خطأ ام صوابا حول شرعية اقامة الندوة او ما قاله الدكتور عبيد، انا اتحدث عن العاطفة الانسانية التي تميزنا عن البهائم والحشرات، ان هي انتفت فماذا بقي لنا من انسانيتنا ان لم تهزنا صورة سحل مواطن كويتي بل واستاذ جامعي يهان من قبل شخص لا يحمل ربع تحصيله العلمي، وتجد هناك من يفرح بل و يؤيد تلك الاعمال الهمجية؟ لا يجب ان نمنع تلك الكلمات القبيحة فحسب، بل يجب ان نتعداها لاستباق تحول غاياتنا البشرية الى نزعات حيوانية هدفها القتل للعيش والعيش لاجل الأكل، وليس الأكل لسبب العيش؛ و لوأد جنين الكراهية في مهده قبل أن يترعرع ليحل محل المشاعر الانسانية والاخلاقية كالرحمة والعطف، فالتاريخ يشهد ان هذه عادة ما تكون بدايات اساسية للتطهير العرقي على مر العقود كنتيجة حتمية ونهائية لهكذا افكار.

***

ما يحدث الآن من تخاذل شعبي من بعض الفئات والافراد وترديدهم لكلمات مثل «زين يسوون فيهم، كفوهم، يستاهلون»، حول بعض الاحداث يوضح اننا في بداية الطريق الى الهاوية وتمهيدا لتحولنا من عالم الانسان الى عالم الحيوان نتسامر فيه ليلا على شخير اسد، ونصبح على عويل الذئاب ويموت الضعيف جوعا ويعيش القوي منبسطا ويظل البجع منعزلا والحمائم خائفة والكلاب تلوث الشوارع.

فهل يتعظ الناس ام يريدون تحطيم ما تبقى لنا من احترام لبعضنا البعض؟

رسالة الى شيوخ الدين السياسي: اين انتم في ظل تفشي الرشوة والفساد على مر السنين الماضية؟ ولا فالحين فقط بفتاوى الريموت كنترول والتي لا تخرج الا عند الطلب؟





مبارك الهزاع

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي