عبدالعزيز صباح الفضلي / الشيطان الناطق... أم الشيطان الأخرس!

تصغير
تكبير
بداية أود طرح سؤال على الأخوة والأخوات القراء ألا وهو: أيهما في ظنكم أخطر على المجتمعات، وأسوأ عاقبة على حياة الناس، وأكثرهما قرباً من الشيطان، المتكلم بالباطل أم الساكت عن الحق؟

ولكي تعرفوا الجواب، أنقل لكم بتصرف ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الجواب الكافي»، حيث يقول عن استنفار الشيطان لأتباعه «قوموا على ثغر اللسان فأجروا عليه ما يضره، وامنعوه أن يجري عليه ما ينفعه، وإن لكم في هذا الثغر أثرين، أحدهما التكلم بالباطل، والثاني السكوت عن الحق، فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس، كما أن الأول أخ لكم ناطق، وربما كان الثاني أنفع إخوانكم لكم».

إننا في مجتمعاتنا العربية نعاني من كلا النوعين من الشياطين، شيطان ينطق فيزين الباطل ويقلبه إلى حق، يصور الجبان كأنه أسد هصور، يلمع

المستسلم والمتخاذل والعميل على أنه حمامة سلام، يجمل العهر والتعري فيجعله حرية وتقدما، يمزق شمل المجتمع ويدعي حرصه على الوحدة الوطنية،

يسب الناس ويشتمهم ويزعم أن هدفه فضح مزدوجي الولاء.

ونعاني من الشياطين الخرس الذين يرون الظلم ولا يحاولون منعه، ويتيقنون من الفساد ولا يقفون ضده، ويشاهدون الهدم ولا يسعون لإيقافه، ويسمعون صرخات المنكوبين فيصمون آذانهم عنها.

يندرج في هذه الخانة أصناف عدة من الناس... سياسيين وديبلوماسيين، علماء ودعاة، إعلاميين ومثقفين، ورؤساء وزعماء، وكل منهم يسرد الأعذار الواهية ليبرر صمته.

ووجدت أن الصمت والسكوت عند هؤلاء يرجع في الغالب لأمرين اثنين لا ثالث لهما، إما الخوف على الحياة والروح، أو الحرص على الأموال وجمعها.

إنني أتعجب من الساكتين عن قول الحق في البلاد التي لا أعواد مشانق فيها ولا زوار فجر، ولا طرد من الوظائف، ولا اعتقالات سياسية، ولا بلطجية، ولا خوازيق، فلماذا السكوت عن الباطل والرهبة من قول كلمة الحق.

إن أمة لا تقف في وجه الظلم لا خير فيها، وقد قال عليه الصلاة والسلام «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم». أي انتهوا فلا أمل فيهم.

إنني لأحيي شجاعة بعض أبناء أمتنا العربية والإسلامية والذين يقفون في وجه الظلم والظالمين ولو كلفهم ذلك قطع أرزاقهم أو حتى ازهاق أرواحهم، لأنهم يدركون أن الموت بعز وشرف خير من العيش في ذل وهوان، إنها شجاعة تحدث عنها الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله حين قال «ليست الشجاعة أن تقول الحق وأنت آمن، إنما الشجاعة أن تقول الحق وأنت تستثقل رأسك».

إن من أقبح صور الصمت، هو ذلك السكوت عن الظلم والجور الذي يتعرض له المستضعفون من إخواننا المسلمين على أرض فلسطين المحتلة، وغزة المحاصرة، وأفغانستان الجريحة، وكشمير المسلوبة، وغيرها من بلاد الإسلام، حيث يتعرضون للتجويع والقتل والتشريد، ثم لا نرى أي تحرك جاد وحقيقي لرفع الظلم عنهم من قبل كثير من حكوماتنا العربية والإسلامية، بل لقد جاء قرار لجنة المتابعة العربية الأخير مخيباً للآمال حين أعطى رئيس السلطة الفلسطينية التخويل في عقد مفاوضات مباشرة مع دولة الصهاينة، وأتساءل ما الذي استجد على الساحة، إن اسرائيل لم توقف بناء المستوطنات، ولم ترفع الحصار عن غزة، ولم تقبل الانسحاب لحدود 67، فلماذا نقدم لها هذه الهدية، والمضحك المبكي في الأمر أن إسرائيل كعادتها ترد الجميل للعرب بأن تقوم بشن المزيد من الغارات فتقتل وتجرح الأبرياء، وتعلن عن الاستمرار في بناء المستوطنات، والعرب كالعادة يطبقون حكمة «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب».

إنها دعوة صادقة لكل عالم وسياسي وإعلامي لقول كلمة الحق وعدم السكوت عن الباطل لئلا يكون من حزب الشياطين الخرس، ومن ألجمت شهوة البطن لسانه عن قول الحق فقد هانت كرامته وحل خسرانه.



عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

Alfadli-a@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي