عبدالعزيز صباح الفضلي / ابك مثل النساء

تصغير
تكبير
يذكر التاريخ أن أبا عبدالله الصغير آخر ملوك الطوائف في اسبانيا دخل على أمه بعد أن سلم مفاتيح غرناطة إلى الاسبان وكانت آخر مدينة اسلامية في الأندلس سقطت في أيدي الصليبيين، فأخذ يبكي بين يديها على ملكه الذي ضاع، فما كان منها إلا أن قالت له كلمتها المشهورة التي ظل الناس يتناقلونها عبر التاريخ «ابك مثل النساء... ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال».

لقد وصل المسلمون في فتوحاتهم إلى بلاد الأندلس وشيدوا فيها حضارة ما زالت بعض آثارها شاهدة لهم إلى يومنا هذا، إلا أن هذا الملك لم يدم، وتلك الفتوحات لم تستمر، وكان السبب الرئيس كما تحكي كتب التاريخ هو تكالب الناس على الدنيا ومتاعها، والصراع المستمر على تولي زمام الحكم، والتقاتل من أجل تحقيق المكاسب والتطلعات الشخصية.

لقد حملت تلك التطلعات بعض ملوك الطوائف إلى أن يضع يده بيد النصارى الاسبان ليطعن بها ظهر أخيه المسلم من أجل أن يستمر في حكمه ويحافظ على مملكته.

وكان مما ذكرته كتب المؤرخين أن ابن الأحمر وهو أحد ملوك الطوائف استعان بالاسبان لقتال خصمه ابن هود والذي لم يتوان بدوره عن أن يتنازل عن ثلاثين من قلاع المسلمين ليقف الاسبان في صفه.

وهذا أبو عبدالله الصغير يعترض قوة من جيش المسلمين كانت قادمة لنصرة مالقا والتي كانت محاصرة من قبل الاسبان، فيمنعهم من نصرتها حتي سقطت بأيدي الصليبين، ثم هو بعد سقوطها وتحويل مسجدها إلى كنيسة، يرسل إلى ملك النصارى برسالة يهنئه بها على انتصاره.

وما لبثت الأيام تدور حتى تساقطت ممالك المسلمين في الأندلس واحدة تلوى الأخرى حتى وصل الأمر إلى غرناطة ليشرب أبو عبدالله الصغير من الكأس نفسها التي سقى بها إخوانه، ولتسقط مملكته بعد أن غدر به النصارى، وليسدل الستار حينها على نهاية حكم المسلمين على بلاد الأندلس.

انني أذكر هذه الحقبة المرة والأليمة من تاريخ المسلمين لعلها تكون عظة وعبرة للعابثين في وحدتنا، والممزقين لشملنا، فما نشهده في واقعنا اليوم لا يبعث على الراحة أو الطمأنينة في نفوسنا، فها نحن نرى بعضاً من ابناء الطائفة و قد التحف برداء طائفته وأخذ يدافع عنها حتى وإن أخل بعض أبنائها بأمن بلادنا واستقرارها، ونشاهد فئة من التجار وهي تسعى لنيل النصيب الأكبر من خيرات البلاد و ثرواتها ولو على حساب استثماراتها واقتصادها، ونلاحظ بعض أبناء القبائل وقد جعل مصلحة القبيلة فوق كل اعتبار، وصار شعار (الله،الوطن،الأمير) في آخر ولاءاته وانتماءاته. بل حتى بعض أبناء الأسرة الحاكمة والذين لطالما قدرهم الناس واحترموهم، أصبحت صراعاتهم وخلافاتهم تؤثر سلباً في نفوس الناس وقلوبها.

إن الكويت التي لطالما أكلنا من خيراتها، وتنفسنا الحرية على أرضها، وشعرنا بالأمن في ربوعها، لا ينبغي أن نكافئها بالجحود والنكراء، أو أن نتسبب في زعزعة أمنها أو زوال نعمتها.

انني أدعو كل مواطن أن يجرب مغادرة الكويت والذهاب إلى أي بلد شاء فإنه لن يرجع إلا ولسان حاله يقول:

لا شفت ضيم الناس في كل ديرة

أسجد لربي اللي خلقني كويتي

كم أتمنى ألا ينس الناس الثاني من أغسطس من عام تسعين للميلاد ، ذلك اليوم الأسود الذي سقطت فيه الكويت، وفقدنا فيه الهوية، وانتزع منا الأمن، فتشتت الشمل، وتفرق الجمع، ذلك اليوم الذي بكى فيه الناس بدل الدموع دما، وعرفنا لحظتها معنى أن يكون لك وطن.

فلنتق الله في بلادنا، ولنحذر من سلب خيراته وثرواته من أجل مصالحنا، ولنحافظ على وحدتنا وجمع شملنا، ورص صفوفنا أمام الأخطار والتحديات التي تواجهنا، فإن لم نفعل فإني أخشى أن يأتي اليوم الذي سنبكي فيه على ضياع الكويت، كما بكى على سقوط غرناطة أبو عبدالله الصغير.





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

Alfadli-a@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي