في ثقافة العرب والأعراب عبر التاريخ نجد أن هناك عادة غريبة في تقديس الأشخاص وتفخيم وغلو بأفعال فرد وهو في النهاية عبد من عبيد الله يخلق من نطفة قذرة وآخره جيفة قذرة, ولكن في ثقافتنا لا يستطيع المجتمع العيش دون تقديس شخص وجعله رمزاً وبطلاً, فهم متأثرون بـ «غيغلامش» أو بأجرام أسلافهم، وكثيرون يفتخرون بأشخاص لا يكثر فيهم إلا سمة النهب والسرقة والقتل ومع هكذا يصبحون رموزاً وطنية وتاريخية لأنهم رجال وأبطال استطاعوا أن يخلصوا الأمة من ظلم لا يوجد إلا في مخيلتهم. فحتى الحركات السياسية والقومية كانت تقاد برموز وأفراد يتم تقديسهم والإشارة إليهم وليس للفكر والقضية في المقام الأول كجمال عبد الناصر والقومية، وحسن نصرالله والمقاومة اللبنانية، والخميني والثورة الاسلامية.
هذا الامتداد التاريخي نجده حاضراً اليوم حتى في دولتنا التي ندعي أنها دولة مؤسسات، وأن الناس فيها متحررون من هكذا عبودية ثقافية, فالتقديس عندنا يكون لأشخاص، سواء من الأسرة الحاكمة، أو أعضاء في مجلس الأمة، أو لتاجر، أو شيخ قبيلة، وأنه هو المنجد المخلص والبطل، وقل ما نجد من يؤمن بمبدأ وليس الأفراد. في إمكان أي شخص أن يذهب إلى مدينة الكويت وليرى أسماء الأبراج كمثال تقريبي لهذه الثقافة, فكل برج يحمل اسم شخص، ولا يوجد حتى ابداع في التسميات لأن الإيمان ما زال بالأفراد وأولي القربى، وليس بالدولة كمفهوم عام، أو لفكرة معينة يؤمن بها صاحب الملك لأنه لا يوجد لديه إيمان إلا بالأفراد وليس بالأفكار.
أما على الصعيد الحكومي فلا أحد يؤمن بالحكومة ككيان فاعل بل يؤمنون بأفراد منها، ومنهم على سبيل المثال الشيخ أحمد الفهد, فالكل يروج الآن بأن الشيخ أحمد هو المخلص وهو قائد التنمية، وأنا عن نفسي لن أحكم إلا بعد أن أرى بعيني، ولكن لم يتم الترويج أبداً بأن الحكومة هي الإصلاحية، وهي من تقود التنمية، لأن الشيخ أحمد هو المتكفل بها وأنا أراه عن نفسي أقوى من الحكومة بجميع أعضائها لأسباب لا تخفى على الجميع. ونظرة واحدة على مجلس الأمة نجد الشيء نفسه, فلا أحد يؤمن به ككيان بل يؤمنون بمسلم البراك أو الرمز أحمد السعدون, أنا أقّدر النائبين بل ودائماً صوتي سيكون للعم أحمد، ولكن لن أصل إلى حالة أضع فيها صورته في الديوانية، أو أن أرفض اي نقد للبراك لأنهم بشر في النهاية ويقومون بمهمة وعمل ونقدرهم لأدائه على اتم وجه، ولكن صفة التقديس هذه يجب أن تكون موجهة لكيان الدولة كدولة وكدستور وكنظام مؤسساتي يحكم من خلال القانون والتعددية، ومبني على التطبيق الجماعي وليس الفردي لأنه كما يبدو الجميع يريد المجد لنفسه.
مبارك الهزاع
كاتب كويتي
[email protected]