د. عبداللطيف محمد الصريخ / زاوية مستقيمة / «كلن يرى الناس بعين طبعه»

تصغير
تكبير
العنوان أعلاه مثل تراه واقعاً في كثير من الأحيان أينما تتلفت حولك، تراه في البيت، والعمل، والديوانية، وجلسات شاي الضحى، والكافيه، والمؤتمرات، وورش العمل، والاجتماعات الرسمية، وغير الرسمية، تراه في الصحافة والقنوات الفضائية، والصالونات بشتى أنواعها، عدا صالونات الحلاقة والتجميل، تقرأه بوضوح دون لبس أو غموض عند بعضهم، لأنهم مفضوحون على رؤرس الأشهاد، وأحياناً تحتاج إلى قراءة عميقة لرواية «شفرة دافنشي» لتقرأ ما بين السطور، وتفهم ما وراء الكلمات والعبارات.

المثل أعلاه تطبيق عملي لنظرية «التنافر المعرفي» التي تنص على أن الإنسان عندما تكون في ذهنه تناقضات عقلية، فإنه يحاول أن يقنع نفسه باحدى تلك القناعات حتى يرتاح من التوتر والضغط النفسي، الذي يزداد يوماً بعد يوم بسبب اختلاف المبادئ التي يؤمن بها وينادي بها عن واقع (الممارسات) القبيحة التي يعيشها.

تتصارع في داخل الإنسان المبادئ التي ينادي بها في جهة، والواقع والممارسة من جهة أخرى، فهو ينادي بالمساواة والعدالة والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص والحفاظ على المال العام، لكن سلوكه وحياته وأفعاله تناقض جميع تلك القيم والمبادئ، وحتى يخرج من تلك الأزمة النفسية، يلصق التناقضات التي يعايشها في الآخرين، فيبدأ بإقناع ذاته أنه على حق، وأن الآخرين على باطل، حتى تهدأ نفسه.

هذا الإنسان عندما تسمعه يتبجح بتلك القيم والمبادئ تقول في نفسك إنه أبو الشرف والأمانة، لكنك تضرب كفاً بكف وتحوقل عندما تجده يخالف ما يدعو إليه، بل تسترجع في ذاتك عندما يرميك بعيوبه، وكأنه يؤكد قول الأولين: رمتني بدائها وانسلت.

عندما تلبس نظارة شفافة ترى الحياة بألوانها الطبيعية، وعندما تكون سوداء تتغير النظرة، فإذا كانت حمراء تشربت باللون الأحمر وهكذا، فنظرتك للحياة والآخرين ما هي إلا انعكاس لذاتك، فمن يشكك في الآخرين وأفعالهم وسلوكهم، تجده في المقابل يقوم بجميع تلك الأفعال التي يتهم الناس بها، حتى يرتاح من تأنيب الضمير، إن كان هناك ضمير حي.

***

أنشد الشاعر مفرح الضمني أبياتاً من الحكمة منها :

اصبـر ويأتي للزمان انفراجه

الناس قالوا: كل مطرود ملحوق

وان ضاق صدرك بين همٍّ وحاجة

لا تبدي أسرارك على غير ماثوق

لو كل من يمرض عرفنـا علاجه

ما ضاعت الدنيا ولا مات مخلوق

وانصحك لا تمشي دروب العواجة

ترى العوج دايم على الوجه مصفوق

بعض العرب قدره يساوي دجاجة

وبعض العرب قدره على الراس من فوق

لا صار بيتك ينبني من زجاجة

حذفك لبيت الناس عيبٍ وخازوق



د.عبداللطيف الصريخ

مستشار في التنمية البشرية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي