الكثيرون من السياسيين في هذا البلد لا يحترمون البلد، ولا يحترمون الحق، ولا يحترمون أهل الحق، ولا يحترمون القانون، ولا يحترمون المساواة، ولا يحترمون القيم ولا الإنسانية، وجل ما يشغل تفكيرهم هو كيف يحتفظون بكراسيهم لأطول مدة ممكنة، وكيف تصل أرصدتهم البنكية لأعلى رقم، وكيف يحشدون حولهم مئات الطبالين.
جرح الخذلان هو من أشد الأوجاع ألماً، لأنه يجمع في مساحته ثلاثة أشياء مُرّة تجاورت، أولها صدمة الموقف، وثانيها سقوط الصورة، وثالثها سحق المبادئ والقيم.
في جلسة مجلس الأمة الكويتي، ليوم الثلاثاء في الثامن من هذا الشهر، وتحديداً في جلسة استجواب وزيرة التربية، تبدلت الكثير من القيم، وبشكل مُفجع، من أجل مصالح شخصية انتخابية! في ذلك اليوم في مجلس الأمة نسي النواب الإسلاميون مواقفهم، التي سجلها التاريخ، وما تشدقوا به ضد توزير المرأة في السابق، فقد اعتبروا أنه ولاية عامة للمرأة وأن هذا منافٍ للدين! ولأن السياسة لا تعترف بأي مبدأ، سوى مبدأ «خذ وهات»، سكت النواب الإسلاميون عن مبادئهم التي كانوا يتشدقون بها، ورضوا أن يكونوا من أهل مبدأ «خذ وهات»، ذلك أن المصالح الانتخابية المقبلة تأمرهم بأن يكونوا أكثر لطفاً، وأكثر نسياناً، وأكثر تغافلاً، في التعامل مع هذا الاستجواب المقدم ضد وزيرة التربية.
في أيام دراستي المبكرة كنت قد قرأت كثيراً عن صراع الحق مع الباطل، وأن الحق لا بد أنه سينتصر ولو طالت سطوة الباطل، وقرأت ذات مرة: «لا يكفي للحق أن يكون حقاً حتى ينتصر، بل لا بد له من القوة التي تعينه على الانتصار». فاتجهت بهذه الجملة وأنا أحملها بين جوانحي نحو أبي كي يفسرها لي، فقال: «يا بني، حتى تعلو كلمة الحق وترفرف رايته، وتنير شمعته، لا بد له من رجال يقفون معه ويذودون عنه وينذرون أعمارهم من أجل رفعته، رجال في درب الحق لا يشغلهم التفكير بالربح أو الخسارة. كلمات أبي هذه لا تزال، ومنذ زمن بعيد، ترن في أُذني رنين الجرس في القاعة الرحبة». صدق أبي في ما قاله، ذلك أن عمل ما هو مُشرف وعادل أعظم من الربح والخسارة، وخير من السياسة ومبدأ «خذ وهات».
حسين الراوي
[email protected]