أمبيه... من صجكم؟!
حين جمعني حديث عابر بابنتي، وهي تتنقّل بين مقاطع موسيقية تتصدّر «السوشيال ميديا»، باغتتني بسؤال بسيط في شكله، عميق في معناه «لو كان عبدالحليم حافظ موجوداً في هذه الحقبة، هل كان سينجرف مع هذه الموجة، أم سيظل ثابتاً على ما يقدّمه من فن يحترم ذائقة الجمهور؟»، توقّفت قليلاً لأن السؤال محيّر وكاشف لحالة فنية وصلنا إليها، نخشى فيها على الأذن قبل أن نخشى على الذوق، وعلى الذوق قبل أن نخشى على جيل كامل.
نحن نعيش أزمة ذائقة عامة وأغانٍ تظهر فجأة، كلماتها أقرب إلى تجميع عشوائي لا معنى له، ألحانها أشبه بنغمات تنبيه الهواتف، تنتشر للأسف لأنها غريبة لا لأنها مؤثرة، وعلى الأغلب مستفزّة، ومن هذا المنطلق اعتدنا على التعايش مع الأغنية الصادمة، التي كلما قلّ معناها، وارتفع ضجيجها، زادت فرص انتشارها.
المشكلة لا تقف عند حدود المنصّات الرقمية، بل تتفاقم حين تجد بعض هذه الأعمال طريقها إلى الأثير الإذاعي، هنا يصبح الأمر أكثر خطورة، حين تشارك في بث هذا النوع من الأغاني، فهي تساهم – عن قصد أو من دون قصد – في ترسيخ ذوق مشوَّه، وهنا نسأل أنفسنا: هل دور الإذاعة أن تكون مجرّد ناقل لما هو رائج؟ أم أن دورها أعمق متمثلاً في حماية الذائقة العامة، وتقديم ما يرقى بالمستمع؟ فالأغنية الرديئة لا تنتهي بانتهاء دقائقها القليلة، لأن أثرها السلبي أبعد من ذلك، عندما تربّي جيلاً يعتقد أن كل ما يُقال يُمكن أن يُغنّى، وكل ما يُغنّى يُعدّ فناً.
نعود إلى سؤال ابنتي: لو كان عبدالحليم حافظ بيننا اليوم، هل كان سينجرف مع الموجة؟ الأرجح أنه لم يكن ليلاحق «الترند»، بل ليصنعه، فالفنان الحقيقي لا يغيّر ملامحه ليواكب اللحظة، بل يثبت على قناعاته ليصنع زمنه، والنتيجة وإن بدت بسيطة فهي موجعة، ليس كل ما ينتشر جديراً بأن يُبث او نعطيه أي اهتمام. لذلك، دعونا نمنح أنفسنا فرصة للحفاظ على ما تبقّى من سعة آذاننا، قبل أن نضطر يوماً للاعتراف بأننا كنّا نملك ذوقاً جميلاً... ثم فرّطنا به بأيدينا.
نهاية المطاف: إذا صار كل ما يُتداول فناً، فالأذن هي الخاسر الأكبر.