تخفيضات المِنح البحثية الفيدرالية الأميركية قد تؤجله
اقتراب وصول لقاحات السرطان المُشخصَنة بتقنية «mRNA»
بمجرد إزالة ورم البنكرياس السرطاني لباربرا بريغهام من جسدها في خريف العام 2020، استدعى صوت جهاز استدعاء باحثاً إلى قسم علم الأمراض في مستشفى «ميموريال سلون كيترينغ» الرئيسي في مدينة نيويورك.
كانت بريغهام، البالغة من العمر الآن 79 عاماً، تتعافى آنذاك هناك حتى شعرت بحالة جيدة بما يكفي للعودة إلى منزلها في «شيلتر آيلاند»، بالقرب من الطرف الشرقي من جزيرة «لونغ آيلاند». وفي غضون ذلك، أُرسل ورمها وأجزاء من بنكرياسها في رحلة معقدة استغرقت 24 ساعة عبر المختبر.
جاء العمل الحقيقي بعد نحو شهرين، وذلك عندما عادت بريغهام إلى المستشفى لتلقي لقاح مصمم خصيصاً للطفرات التي ميزت ورمها عن بقية بنكرياسها، فاللقاح المصنوع بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) معلق في جزيئات دهنية صغيرة، كان في الأساس مجموعة من التعليمات الجينية لمساعدة جهاز بريغهام المناعي على مطاردة البروتينات المتحولة الفريدة لخلايا الورم. كان بعبارة أخرى، لقاحها «المشخصن» جداً... أي المُصمَّم لهل شخصياً دون أي أحد آخر غيرها.
واليو، مرت أربع سنوات منذ أن تلقت بريغهام آخر جرعة من جرعاتها التسع من لقاحها المُشَخصَن، وفي تلك الفترة شهدت حفيدا واحدا أنهى الدراسة الجامعية ويتزوج وآخر بدأ درجة الدكتوراه.
حضرت عشرات المباريات الرياضية في المدرسة الثانوية لحفيديها الثالث والرابع وحملت أحدث إضافة للعائلة، حفيدة ولدت العام الماضي.
وجاء تعافي بريغهام كجزء من تجربة سريرية صغيرة من المرحلة الأولى أجرتها مؤسسة «ميموريال سلون كيترينغ» بالشراكة مع شركتي الأدوية «Genentech» و«BioNTech»، الأخيرة التي ساعدت مع «فايزر» في إنتاج أول لقاح معتمد بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لـ«كوفيد -19». كانت بريغهام واحدة من 16 مريضاً في الدراسة تلقوا اللقاح، وواحدة من ثمانية شهدوا استجابة مناعية كبيرة. ستة من هؤلاء الثمانية لا يزالون في حالة هدأة.
وقد لا يبدو سبعة من 16 كثيراً، لكن هذا العدد يشير إلى أن اللقاح يحمل إمكانات مغرية.
يمكن أن يكون سرطان البنكرياس سريع النمو بشكل استثنائي، وعلاماته الأولى مثل فقدان الوزن والتشنج ولمسة من اليرقان يسهل تفويتها، لذلك بحلول الوقت الذي يتم فيه تشخيصه يكون قاتلاً دائماً تقريباً. يبقى 8 في المئة فقط من المرضى الذين يعانون من الشكل الأكثر شيوعاً من السرطان على قيد الحياة حتى علامة الخمس سنوات.
وكانت نتائج تجربة بريغهام أيضاً إشارة مبكرة إلى أن لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) قد تكون فعالة لمجموعة واسعة من أنواع السرطان. واليوم هناك ما لا يقل عن 50 تجربة سريرية نشطة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا تستهدف أكثر من 20 نوعاً من السرطان. وصلت تجربة الميلانوما التي تقودها شركتا «Moderna» و«Merck» الآن إلى المرحلة الثالثة، وهي الخطوة الأخيرة قبل أن يمكن اعتماد دواء للاستهلاك العام. يمكن أن تكون لقاحات الميلانوما المُشخصَنة متاحة في وقت مبكر من العام 2028.
لكن بشرى هذا النهج الجديد لم يأتِ في وقت أكثر خطورة على المجال. فخلال الأسابيع الأولى من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، حدث اضطراب غير مسبوق لأبحاث السرطان الأميركية، حيث أُلغيت المنح الفيدرالية بشكل جماعي.
ووفقاً لتحليل أجراه مجلس الشيوخ، خُفض التمويل من المعهد الوطني للسرطان بنسبة 31 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام 2025. وفجأة، طغى على التفاؤل حول لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) المُشخصَنة إحساس بأن الاستثمار العام الذي دعم أبحاث السرطان يتم تفكيكه قطعة قطعة.