إسرائيل تتجه نحو دولة ميليشيا يقودها اليمين الديني المتطرف

الضفة والقدس... بين تصاعد إرهاب المستوطنين وتواطؤ الجيش والشرطة

إرهاب المستوطنين في الضفة بحماية الاحتلال
إرهاب المستوطنين في الضفة بحماية الاحتلال
تصغير
تكبير

- سموتريتش يطبق مشروع «خطة الحسم» وفق معادلة ثلاثية للفلسطينيين:
- يُقتل أو لا يُقتل... القانون والتعليمات الميدانية تستند إلى هوية الفاعل: يهودي أم عربي
- جرائم المستوطنين جزء من خطة حكومية شاملة لفرض السيادة اليهودية في الضفة
- إسرائيل برأسين ونظام مزدوج ... دولة قانون ودولة ميليشيات دينية
- عنصرية إسرائيلية متطرفة هدفها طرد الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية دينية في الضفة

حذرت محافل سياسية وعسكرية من خطورة عصابات وميليشيا خاصة بأحزاب سياسية تتبع اليمين المتطرف بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والمال بتسلئيل سموتريش، مشيرة إلى أنها أصبحت تعمل في كل مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة.

وأكد أن الاعتداء تتواصل على الفلسطينيين في أماكن عملهم وفي حقولهم الزراعية، وتستهدف مساجدهم ومنازلهم خصوصاً في القرى والمزارع القريبة من المستوطنات ضمن مشروع سموتريش «خطة الحسم»، لطرد الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية دينية في الضفة موازية لإسرائيل.

واقتبس المحلل الإسرائيلي المخضرم ناحوم برنياع في مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الجمعة، تحت عنوان «هذه هي الخطة»، من هذه المحافل التي باتت تخشى التصريح والتحذير من هذه الميليشيا التي امتد نفوذها إلى الساحة السياسية والعسكرية في إسرائيل، صرخة تحذير من خطر يتهدد إسرائيل قبل الفلسطينيين صرخة غير مسبوقة من داخل المؤسسة العسكرية والإعلامية العبرية. فهو يرى أن ما يجري في الضفة الغربية لم يعد فوضى منفلتة أو انحرافاً ميدانياً من قبل المستوطنين، بل أصبح جزءاً من خطة حكومية شاملة هدفها فرض السيادة اليهودية الكاملة عبر أدوات العنف الميليشياوي المقنّن.

ويتحدث برنياع بلغة الصدمة، لكنه يذهب أبعد من الإدانة الأخلاقية، ويقول إنه يقدم تشريحاً سياسياً وأمنياً، يكشف تآكل مفهوم الدولة الإسرائيلية نفسها، بعدما سلّمت سلطاتها التنفيذية في الضفة الغربية إلى رموز اليمين الديني المتطرف، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

من «إسرائيل الدولة» إلى «إسرائيل الميليشيا»

ويشير إلى أن التحول الحاسم بدأ في يناير 2023 عندما منح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سموتريتش صلاحيات «إدارة الشؤون المدنية» في الضفة المحتلة، وأسند وزارة الأمن القومي إلى بن غفير، مضيفا أنه «منذ تلك اللحظة، تغير جوهر الحكم الإسرائيلي في الضفة ولم يعد الجيش ولا الإدارة المدنية هما صاحبا القرار، بل سياسيان عقائديان يمثلان التيار الديني القومي الأكثر تطرفاً.

وسموتريتش، وفق برنياع، ليس وزيراً عابراً، بل صاحب مشروع أيديولوجي متكامل أعلن عنه منذ عام 2017 تحت اسم«خطة الحسم». هذه الخطة تقوم على معادلة ثلاثية للفلسطينيين: الخضوع، أو الرحيل، أو الموت المدني والاقتصادي. وبذلك أصبحت السياسة الرسمية في الضفة الغربية قائمة على خنق الوجود الفلسطيني مادياً ورمزياً، وتحويل العنف إلى وسيلة طاردة للسكان.

ميليشيات المستوطنين كأداة حكم

وفي إحدى أكثر فقرات المقال قوة، يصف برنياع مشاهد الحقول الفلسطينية المحروقة، وأشجار الزيتون المقتلعة، والمزارعين الفلسطينيين الذين يتعرضون للضرب والطرد تحت حماية جنود الجيش الإسرائيلي. بأنها عملية قرصنة من عصابات دينية عنصرية تعتدي على الشرائح الضعيفة في المجتمع الفلسطيني وهم المزارعون الأبرياء.

وتابع لكن خطورة المشهد لا تكمن في الوحشية نفسها، بل في أنها تجري«برعاية الدولة وبأدوات الجيش».

فتيان التلال

وأضاف تحولت مجموعات فتيان الاحتلال الاستيطانية الشرسة التي كانت توصف سابقاً بأنها عصابات منفلتة إلى ميليشيا شبه رسمية، تحمل سلاح الجيش وتتلقى غطاء سياسياً كاملاً.

وبحسب برنياع، لم تعد تلك الاعتداءات عملاً فردياً أو محلياً، بل تنفيذاً ميدانياً لرؤية الحكومة، ضمن مشروع تدريجي يهدف إلى تقطيع أوصال الضفة وإحباط أي إمكانية لقيام كيان فلسطيني مستقبلي.

انهيار احتكار الدولة للعنف

ويرى برنياع أن أخطر ما يميز المرحلة الحالية هو انكسار مبدأ احتكار الدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية للعنف، وهو الركيزة التي بُنيت عليها مؤسسات إسرائيل منذ تأسيسها. فالجيش والشرطة لم يعودا الجهتين الوحيدتين المخولتين بفرض الأمن؛ بل هناك الآن ذراع مدنية مسلحة تعمل لحساب وزراء متطرفين في الحكومة نفسها.

وهذا التحول، بحسب المقال، يعني أن إسرائيل تشهد ولادة نظام مزدوج، أي دولة رسمية ترفع شعار القانون. ودولة للمستوطنين المتطرفين موازية تديرها الميليشيات الدينية القومية باسم «السيادة اليهودية».

ويؤكد برنياع أن الضباط والجنود في الميدان باتوا يدركون أن مهمتهم الحقيقية ليست الحفاظ على القانون، بل تسهيل مهمة المستوطنين. فحتى دون أوامر حكومية صريحة، يفهم العسكريون أنهم جزء من خطة سياسية عليا، وأن أي مواجهة مع المستوطنين قد تكلّفهم مستقبلهم المهني.

تآكل الأخلاق العسكرية... العنصرية الصريحة

ويطرح برنياع المفارقة الأخطر وهي أنه «يجب إطلاق النار على الأولاد العرب الذين يرشقون الحجارة، ويجب عدم إطلاق النار على الأولاد اليهود الذين يفعلون الشيء نفسه»، وبهذه الجملة المكثفة، يختصر الكاتب انهيار المعايير الأخلاقية التي لطالما تباهت بها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فالتعليمات الميدانية لم تعد تستند إلى القانون أو الخطر، بل إلى هوية الفاعل، يهودي أم عربي، وهذا التمييز العنصري الصارخ، كما يراه برنياع، يحوّل الجيش إلى شريك في الجريمة لا إلى جهاز ضبط، ويؤسس لتطبيع العنف بوصفه أداة سيادة. سموتريتش وبن غفير – جناحي الانقلاب الديني

ويصف برنياع الرجلين بأنهما يمثلان الثورة العقائدية داخل الدولة... فسموتريتش يحمل رؤية «الخلاص القومي» التي تدمج بين الشريعة التوراتية والسيادة الإسرائيلية، في حين يسعى بن غفير إلى إقامة نظام أمني قائم على الردع العنصري والعنف الوقائي.

من خلالهما، يقول الكاتب، تحولت الضفة إلى مختبر سياسي لبناء إسرائيل الجديدة.

ويقرّ برنياع بأن الأجهزة الأمنية: الجيش، الشرطة، وجهاز «الشاباك»، تتنازل طوعاً عن دورها الرقابي أمام نفوذ اليمين الديني العنصري المتطرف.

وبالنسبة للضباط الكبار، فإنهم يفضلون التركيز على «الإرهاب الفلسطيني» لأنه يحقق لهم المجد المهني، فيما يتهربون من مواجهة «الإرهاب اليهودي» خشية الاصطدام بالسياسيين أو القواعد الشعبية للمستوطنين.

البعد العاطفي بعد حرب غزة

ومنذ عملية 7 أكتوبر وما تلاها من حرب على غزة، يرى برنياع أن الرغبة في الانتقام انتقلت من الجنوب إلى الضفة، حيث إن المستوطنين وجنود الاحتياط الذين شاركوا في الحرب عادوا إلى مستوطناتهم أكثر تطرفاً، وهم يحملون إحساساً بالانتقام المزدوج سواء من الفلسطينيين أومن مؤسسات الدولة التي يرونها متساهلة.

واشنطن... قوة الكبح الأخيرة

كما يقرّ بعجز مؤسسات إسرائيل الداخلية عن مواجهة هذا الاتجاه العنصري المتطرف الذي يتفشى في إسرائيل كالسرطان، قائلاً بوضوح «ليس أمامنا خيار سوى الثقة بأبينا في واشنطن».

وبهذا الاعتراف، يسلّم برنياع بأن الضغط الأميركي هو الأداة الوحيدة القادرة على كبح الانفلات الأخلاقي والعنصري الإسرائيلي في الضفة. لكنه يذكّر بأن تجربة الرئيس دونالد ترامب أثبتت أن الدعم الأميركي قد يكون في أحيان كثيرة غطاءً لا كبحاً، إذ سمح بالضم الزاحف فعلياً رغم رفضه الشكلي للضم القانوني.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي